محمد علم الهدى يكتب: عن القزم المصري والقزم الأميركي!

في الولايات المتحدة الأمريكية، تألق في السنوات الأخيرة ممثل عبقري بحق واسمه \”بيتر دنكليج\”.. الممثل ده اتولد بما يعرف طبيا بالـ Achondroplasia أوDwarfism أو اللي بيعرف لدى العامة من أمثالنا بإنه ببساطة: قزم!

(1)

ما كانش مولود لأسرة غنية مثلا , بالعكس كان ابن طبقة متوسطة.. والده كان مندوب تأمينات عادي، أما والدته فكانت مدرسة موسيقى.

لك أن تتخيل طبعا أنه اتعرض في حياته لمضايقات ساخرة، بالذات فترة المراهقة، وكان بيتشاجر مع كل من يسخر منه.. يرمي كتبه ، ويندفع للعراك.

وفي مرة حكى لوالده, أن أكثر ما كان يبكيه, أنه حتى وهو بيضرب اللي تجاوزه في حقه، كان بيسمع ضحكات المحيطين بالمشاجرة عليه وعلى منظره.. حتى وهو منتصر على من يفوقه حجما!

كان رد والده ببساطة: لما يسخروا منك.. دي مشكلتهم مش مشكلتك.. أنت عليك فقط تركز في طريقك.. وتتجاهل تفاهات البلهاء.

(2)

لما صارح بيتر أهله أنه قرر أنه يبقى ممثل، ما ترددوش للحظة إنهم يدعموه، وإن كان بعض معارفه وأقربائه استغربوا وقالوا له إنه قرار مش موفق.

ليه؟

لأنه ببساطة هيكون محصور طوال حياته في مساحة تمثيل \”الأقزام\”،

ودي غالبا بتبقى كوميدية!

يعني ببساطة يا بيتر.. هتبقى مجرد مهرج عظيم في أفضل أحوالك! (ده كان رأي عمه على فكرة)!

الجملة دي خلته يبكي ويكتئب لمدة شهر، خصوصا إنه كان التحق بالكلية خلاص لدراسة الدراما، لغاية ما أستاذته عرفت, فاتكلمت معاه وفهمته ببساط: (إن أي ممثل عموما في بداياته، لو نجح في دور.. أي دور، فغالبا بيحصره المخرجين والمنتجين للأبدا في النوعية دي من الأدوار اللي نجح فيها، وإنه لو ذكي – كممثل – هيقدر يحدد مسار حياته، وإن الفرص والأدوار هتجيلك يا بيتر، يمكن مش زي الآخرين واقعيا بصراحة،

لكن هتيجي وأنت اللي هتختارها بوعي وذكاء، وكمان بأدائك النوعي والمدروس ليها بشكل مختلف، وأنت اللي تقدر تفرض وتحدد.. هل هتبقي ممثل بجد، ولا مهرج).

.الكلام ده كان قرب سنة 1990.

(3)

بعد عشرين سنة من إنطلاقه في المسار، ومن تمثيله في أفلام ومسلسلات لأدوار صغيرة جدا – بدأ بتمثيل أدوار صوتية في مسلسلات كوميدي أو كرتون – وصولا لدوره البارز في المسلسل الشهير المكتسح (Game of Thrones).. بعد هذا الكفاح، تكلل بالنجاح الباهر

عندما تم تصنيفه من مجلة نيويورك تايمز اللي كتبت عنه عام 2011 إنه ببساطة واحد من ضمن 8 ممثلين نجحوا في تحويل التمثيل التلفزيوني بالمسلسلات إلى فن حقيقي، وذلك \”بأدائه العبقري الممتاز بخفة الدم والسهولة الممتنعة\”.

أحد المنافسين ليه من الممثلين، سخر من التقييم ده وقال: (بقي يختاروا النص راجل ده.. و يسيبوني أنا؟! كوسة!)

تخيلوا؟!

.(4)

وفي نهاية نفس السنة 2011 برضه، حاز على جائزة إيمي عن دوره لأفضل ممثل مساعد (تعتبر واحدة من أكبر الجوائز الفنية في الولايات المتحدة بعد الأوسكار)، وفي خطاب قبوله للجائزة، وقف بكل ثقة طاغية -زي ما شايفين في الصورة المرفقة – وقصاد الميكروفون – اللي قصروه له مخصوص – وقف يتكلم ويسخر ويقلد سكورسيزي في قبوله للجائزة.. شكر كتاب المسلسل، وصناع العمل، وحتي شكر وقدم عزائه لمن خسروا من المرشحين لنفس الجائزة وما خدوهاش، قائلا: ما تزعلوش يا شباب إنكم خسرتم.. أنتوا ممثلين رائعين، وكان ممكن تكونوا هنا مكاني عادي يعني.

وفي النهاية وجه الشكر لزوجته العزيزة طبعا اللي وقفت جنبه طوال فترة كفاحه.

رابط الفيديو:

(5)

لما تقارن ده بقى في مصر بقزم مصري (ومن ذوي الاحتياجات الخاصة كمان) وانتشر له فيديو مؤخرا يمكنك مشاهدته على هذا الرابط:

https://www.facebook.com/video.php?v=837168476334599&__mref=message_bubble

وفيه شوية شباب من أنصاف رجال بيزقوا عليه كلب شرس، وبيصوروه وبيضحكوا على سبيل المرح.. فقط على سبيل المرح!

وبرغم كدة تلاقي القزم المصري من ذوي الاحتياجات الخاصة، واقف صامد وبجدية، وبيدافع عن نفسه بشجاعة ضد الكلب لغاية ما الكلب خاف!

وتشوف تعليقات المصريين على الفيديو اللي كلها ضحك واستخفاف ولا إنسانية بالمرة أو أي اعتبار لأي معنى احترام أو تقدير لمن جعلته ظروفه غير مساو للآخرين بالمرة!

تلاقي نفسك – تلقائيا – تستنتج ثلاثة أشياء من المقارنة:

.أولا: أن الفارق بيننا وبين العالم المحترم، هو إن عندهم – نسبيا – بيكون فيه دعم للإنسان العادي أو اللي إمكانياته محدودة لغاية ما ينجح.. مش بيحطموه على الأقل.

بينما عندنا – غالبا – بنكسر الناجح أو الجيد.. لغاية ما يركع.

ثانيا: من مثال الفيديو المصري إن طول ما إحنا بالتخلف العقلي ده، والسطحية والسلوك الزبالة ده، فياريت ننسى إننا نقب على وش الدنيا أو نبقى دولة تستحق إنها تكون محترمة، أو نبقى مجتمع يستحق حتى إن ربنا ينظر له بعين الرحمة.. إحنا فينا ناس.. لا يمكن يوردوا على جنة والله!

ثالثا: إن ربنا لما بيديلك مجموعة حاجات وياخد منك حاجات، بتكون المحصلة الإجمالية زيك زي غيرك.. بس اللي بيفرق هو قدر صبرك ومثابرتك وعزيمتك وإرادتك، واللي بتكون نابعة في الأساس من داخل روحك الإنسانية، عشان تسعى إنك فقط تبقى حاجة.. اي حاجة.. بس حاجة بتحبها.

أنت قادر مهما كان فيه أغبياء أو متخلفين حواليك إنك تنتصر على أي شيء وأي حد، وأي عقبة، طالما مطلبك مشروع ومن حقك ومافيهوش ظلم لحد.

ولو واجهت عقبة.. عندك اختيارين لا ثالث لهما:

الاختيار الأول:

بإمكانك تعيط لوحدك.. أو تستسلم جنب العقبة في حزن وترثي ذاتك وترص الظروف والظلم اللي وقع عليك وكان ممكن لولاه تبقى و تبقى.

أو الاختيار الثاني:

بإمكانك تمشي على الطريق وتكافح لغاية ما توصل إنك تقف على المسرح، وأنت بتستلم جائزتك معزيا – بسخرية مداعبة – من خسروا، وتفهمهم بإن بإمكانهم.. ينجحوا.. زيك كده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top