عندما تصادف صورة ساخرة على خبر أو تعليق أو تصريح، فأنت على الأغلب دون أن تدري تكون ضمن عالم الساركازم البديع، بكل سخرياته وضحكه وتهكمه على الحياة اليومية في مصر، والتى تعد عالما غامضا – كما اكتشفت مؤخرا – بالنسبة للأجيال السابقة، التي لا تفهم هذا العالم الذي يحاولون الآن متابعته دون معرفة تفاصيله، فما يشاهدونه هو قمة جبل الثلج من \”منتج\” جاهز، لكن لا يفهمون كيف نشأ ومتى؟ وكيف احتل مساحة تضاهي – إن لم تكن تزاحم – عالم الكاريكاتير المستقل بذاته؟
ومثلما كان يتابع القراء قديما رسوم الكاريكاتير المفضلة عبر الصحف, يتابع رواد مواقع التواصل الاجتماعي أيضا الساركازم عبر صفحات الفيسبوك مثل صفحة \” أساحبى ) وصفحة (Egypt\’s Sarcasm Society ) وصفحة ( تمت الترجمة ) و صفحة (فاصل موش اعلامى ) وغيرها من الصفحات التي تتصاعد وتظهر كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة، في عالم الساركازم.
والساركازم لغة يقال إن أصلها يأتى من كلمة لاتينية تعني في أحد معانيها \”التمزيق والتشريح بدقة\”، وهو ما يفعله الساركازم \”الناجح\” والمؤثر، فمهمته الأساسية أن يصل إلى المعنى.. بقوة وبعمق وبدقة، وهو ما تراه في الكوميكس المصرية.. بشكل أعمق وأشد وأكثر تلخيصا من الكاريكاتيرات المصرية.
ولعل أحد الأشياء الأساسية في عالم الساركازم التي سنتعرف عليها محاولين تصنيفها, وترتيبها هو ما يمكن أن يوصف بكلمة Troll faces أو memes، وهى يمكن أن نوصفها بأنها ببساطة عبارة عن صور.. لقطات.. وجوه.. تعبيرات شبه ثابتة، ولكن تتكرر في حالات مختلفة, بشكل أقرب إلى الأنماط المحددة لمواقف محددة، ذلك أن مهمتها الأساسية هنا: تلخيص جملة توضح الرأي أو ردة الفعل بشكل مرتبط أكثر بالوعي الجمعي المصري، وسنستخدم لها توصيفا يطلقه بعض الشباب عليها، وهو: الـ (ترولزات) أو (ترولات) كنوع من الاختصار السريع.
وعندما بدأ عالم الساركازم في مصر، كانت بداياته بترولات عالمية منتشرة بكل العالم، مثل ترول (ياو مينج) و(أساحبي) والشخصيات المختلفة مثل (هيرب – وديرب – والأب – وهيربينا – الضحكة الماكرة)، وعدد من الترولزات العالمية مثل ترول سبايدر مان ومستر بين وغيرها، ولكن لم يلبث الشباب المصري أن قاموا بتحديثها – وما يزالون – بإضافة التصنيفات التالية والتي منحت (الساركازم الشعبي المصري الشبابي) خصوصية واضحة ميزته عن غيره عالميا، وشكلت له شفرة خاصة يفهمها الشباب وحدهم تقريبا أسرع من غيرهم،
ومن أمثلة الترولزات مثلا:
ترولزات الكلاسيكات:
وهى ترولات تأتي من زمن الفن الجميل \”الأبيض والأسود غالبا\”، بلقطات لشخصيات مثل توفيق الدقن، وهو يقول: \”أحلى من الشرف مفيش\”، أو\”إخص\” أو\”أنا إنسان لعين يا أخي\”.
أو مثل استيفان روستي وتعبيراته, أو فريد شوقي، أو زكي رستم، أو حسن البارودي، أو غيرهم ممن أثروا في وجدان الشباب بأفلامهم العميقة وعباراتهم التي تصلح لتلخيص الحال بكلمات قليلة معروفة، ولكل ممثل عباراته التي تصلح لكل موقف.
ترولزات الكوميديانات الكبار:
مثل ترولات عادل إمام وأحمد مكي ومحمد سعد وأحمد حلمي، ومن أكثر الترولزات المأخوذة لعادل إمام من فيلم \”مرجان أحمد مرجان\”، بينما تنتشر ترولزات فيلم \”لا تراجع ولا استسلام\” بصفة خاصة للفنان أحمد مكى، لشخصية \”حزلقوم\” بصفة غالبة، وكذلك سلسلة أجزاء مسلسل \”الكبير أوي\”، فيما تنتشر ترولزات شخصية اللمبي وتتح للفنان محمد سعد، بينما تنتشر ترولزات أحمد حلمي بشكل عام دون تركيز على فيلم بعينه، وإن كان يلاحظ كثرة الاقتباس من فيلم \”ألف مبروك\” و\”عسل أسود\”.
ترولزات باسم يوسف:
وهي لقطات ارتبطت بالموسم الثاني والثالث من برنامج \”البرنامج\” للإعلامي الساخر الكبير د. باسم يوسف, وكانت كل حلقة أو حلقتين تترك لقطات أو ترولات من باسم يوسف أو من فريقه (خالد منصور وأيمن وطار وشادي الفونس)، وتصلح للتعبير عن ملخص المواقف مثل: \”عبط إحنا يا عصام\”، للتعبير عن أي تصريحات لا تصدق من المسئولين، أو \”مآساة\” للتعبير عن تراجيديا أو تناقضات كوميديا سوداء تحدث بالواقع.
أو \” أهأهأ مأمأمأ\” للتعبير عن التظاهر بالسخرية والضحك! أو \”يلا يا عمرو\”، للتعبير عن ازدراء تلميح لكل من يتبع \”التعريص\” مبدأ!
ومع الأسف توقف تدفق هذه الترولزات عن التحديث, نتيجة توقف البرنامج وهو في ذروة نجاحه.
ترولزات الثورة:
وهى ترولزات ارتبطت بالثورة وأحداثها مثل ترول: \”لقد هرمنا\” الشهير للرجل التونسي الذي يشدد على التمسك بفرصة الثورة، وكذلك ترول عمر سليمان الشهير لحظة التنحي بعد الثورة. ويمكن أن يضاف معها ترولات السخرية من النظام السابق، مثل ترولات مبارك: \”يا راجل كبر مخك\” وأنصار النظام السابق، مثل ترولات توفيق عكاشة وسبايدر وعمرو مصطفى، ومن حذا حذوهم.
ترولزات الإسلاميين:
وهى ترولزات بدأت مع تصاعد المد الإسلامي السياسي بعد الثورة، بالترول الشهير: \”اللي مش عاجبه يروح كندا\” للشيخ محمد حسين يعقوب, وذلك إبان تراشق استفتاء مارس الشهير, ثم ترول \”يا انجاس يا شراميط\” للشيخ وجدي غنيم، والذي جاء كرد – فج منحط- ضد الفيلم المسيء للرسول (ص)، ثم ترول \”خد لك هولز\” الشهير للكتاتني، وذلك قبل أن تأتي فترة حكم مرسى, لتمد هذه المنطقة بخامة غنية وفيرة من التصريحات – التي لا تنسى – للرئيس المعزول محمد مرسي مثل:
\”بعضهم وليس كلهم\”، و\”دونت ميكس\”، و\”56734\”، و\”الحارة المزنوقة\”، و\”فيه صوابع بتلعب\”، و\”ها أنا أفعل\”، و\”العدو يأتيك من حيث تترفع أنت عن أن تتداخل معه\”، إضافة إلى ترولزات الحلفاء من ذات التيار، مثل ترول حازم أبو إسماعيل الأشهر: \”أنا سعيد إنك سألتني السؤال ده\”، وترول الشيخ محمود شعبان: \”هاتوا لي راجل\”، وترولزات المسئولين الإخوان مثل تصريح وزير إعلامهم صلاح عبد المقصود: \”ابقي تعالي وأنا اقولك فين\”، وحتى المؤيدين للإخوان – وقتها – مثل \”جبنة نستو يا معفنين\”، و\”أنا وهبت نفسي لله.. هعوره هعوره\”، إضافة إلى ترولزات وعاظ الدعوة، مثل ترول يعقوب: \”أختاه.. احذري\”، وعمرو خالد: \”شايفين المخدرات بتعمل إيه\”، وكذلك خالد عبد الله: \”يا واد يا مؤمن\” الشهيرة.
واضيف عليها المشاهد الساخرة منهم مثل ترول: \”هذا دهاء ومكر عظيم\” لأحمد راتب من فيلم \”الإرهابى\”، كناية عن السخرية من أي فعل غبي لأحد قادة التيار.
ترولزات المجلس العسكري والسيسي:
وهي ترولات ترتبط بتصريحات قادة المجلس العسكري بعد الثورة،
مثل تصريحات المشير طنطاوي: \”الشعب ساكت ليه؟\”، و\”مش شايفين اللي حوالينا عاملين إزاي\”، وترولات شفيق مثل: \”إيييه؟\”، وصولا إلى تصريحات اللواء عبد العاطي الشهيرة حول جهاز الكفتة, ونهاية بتصريحات السيسي: \”إنتوا مش عارفين إنكوا نور عينينا ولا إيه\”، و\”أنا مش قادر أديك\”، و\”هتاكلوا مصر يعني\”.
ترولزات الأفلام الشبابية:
ومن أمثلتها ترولز أفلام \”إبراهيم الأبيض\” وفيلم \”مافيا\”، ومن أمثلتها ترولات محمود عبد العزيز: \”الانسان ضعيف- الجرأة حلوة مفيش كلام\”،
وأحمد السقا: \”بعتني بكام يا عشري\”، وترول عباس أبو الحسن: \”عجيب أمركم أيها المصريون\”، وغيرها لكل فيلم يلاقي شعبية.
ترولزات شعبية:
وهي ترولات تأتي من فيديوهات شعبية تنتشر لمواطنين عاديين بعد تصريحهم بأقوال لاقت شعبية وصدى مثل: \”أيام سودا\”، من فيديو لرصد، و\”اااهبة حبيبة قلبي\” لأحمد التباع، و\”انت نجم مية المية\” لمجنون أحمد شيبة، و\”الله عليك يا أووستاذ\” من فيديو المعمل الشهير، وغيرها مما يأتي كل يوم.
ترولزات مابيت شو:
وهي ترولات انتشرت مؤخرا بأخذ لقطات للمابيت شو والضفدع كيرميت،
وهو يعلق بتعليقات مصرية صميمة أو أغاني مهرجانات.
الترولزات الطائرة:
وهي ترولات لفيلم أو مشهد أو لقطة أو حتى حلقة لبرنامج، وتنتشر في أوقات معينة، للدلالة على معان بعينها، ومنها ترول \”عبلة كامل\” الشهير من مسلسل \”لن اعيش في جلباب أبي\”، للكناية على: \”أما نشوف آخرة الهم ده\”، وكذلك ترول \”هبة قطب\” من حلقاتها في برنامج \”بوضوح\”، وذلك للكناية عن إيحاء جنسي دون كلمات، أو تلميح بالتقليل وعدم التبذير بشكل مضحك، ويندرج تحت هذا التصنيف، ترولات.. تذهب وتجيء، وتضاف!
وأخيرا:
هذه التصنيفات غير ثابتة، وتتبدل وتتطور وتندمج، وذلك مفهوم بداهة, لكونها تأتي من عالم متصل بطبيعة الشباب المتجددة والملولة بسرعة، بطبعها المائل للتغيير طوال الوقت، لهذا تتحدث ويضاف إليها وتتطور بشكل دائم ويومي تدريجيا، لتبقى جزءا من شفرة عالم خاص عبر الإنترنت لسخرية الجيل الشبابي \”15 – 35 عاما\”.. يتطور ويتغير بشكل دائم.