سبب الهيستيريا الحاصلة الآن، ليس لكونه أول حادث اغتيال, ناس كتير اتقتلوا! ولا لكونه حادث اغتيال لمسئول كبير, مسئولين ولواءات اتقتلوا! ولا لكونه أول حادث اغتيال لمستشار, مستشارين برضه اتقتلوا! لم يكن الأول.. ولن يكون الأخير
(1)
سبب الهيستريا الحاصلة الآن من الجانبين لكونه أول حادث اغتيال لشخصية عامة سياسية معروفة للكل، وده اللي أنا شايفه في هيستيريا حاصلة.. ناس بتزايد على بعضها.. أنت عزيت؟ أنت ما عزيتش ليه؟
لا عزاك مش عاجبني, لا أنت بتتكلم عن الظلم ليه؟ عاوز تبرر؟ إشمعنى بنسمع صوتك في عرب شركس أو أي إخواني أو مواطن عادي يتقتل، وتملا الدنيا زياط؟
وع الناحية التانية:
وأنت عزيت ليه؟ بتعزي واحد حبس مظلومين؟ هوأنت معرص يعني؟ كلب للسيسي؟ واشمعنى جاي تعمل محزنة عليه؟ قلبك رهيف أوي؟ طب والكام ألف اللي ماتوا واعتقلوا؟ ويالا في ستين ألف داهية.. بلا نيلة.. كان ابن كذا وكذا، وكان بيجدد حبس كذا وبالدستة!
(2)
الناحيتان بتؤدى هيستيريتها إلى نقطة ثبات المواقف بعناد، بل وتصعيدها!
فتلاقي الناحية دي:
بلا حقوق إنسان بلا قانون بلا زفت بلا قمع بلا نيلة، دول ولاد ستين وسخة ولازم يتقتلوا كلهم من غير محاكمات، أو محاكمات عسكرية، وما اسمعش حس حقوقي ولا ناشط, يا أنجاس يا اللي خربتوا البلد، وبـ لا الغاء قانون تظاهر بلا خرا، ونفذ الإعدامات في كل الإخوان يا سيسي، وافرم بقى وكفاية أيادي مرتعشة!
(على اعتبار كل اللي حصل خلال سنتين كان طبطبة يعني!)
اما الناحية التانية فتقول:
النظام ما بيفهمش غير لغة العنف.. حمير وبهايم ومكملين استفزاز، وقتل وقمع
وحبس وتشريد فينا.. دول سفاحين ولاد ستين كلب بيقتلوا بالشبهة وعشوائي،
لازم نرفع السلاح والسلمية ماتت خلاص.. بلا سلمية بلا خرا.
والغريبة إن الناحيتين بتلاقيهم بيتفقوا على الجملة الأخيرة بحذافيرها وبيكرروها! والجملة هي:
دول ما يجوش إلا كده!!
(3)
ومع استمرار هذه الحالة الاستقطابية المنفعلة المتشنجة.. كده نقدر نقول بكل اطمئنان:
إن الوضع هيتصاعد.. لأنهم للأسف (ناس مش بتفوق)، والناحيتين بيشجعوا القتل والقصاص.. القصاص على اعتبار إنه رادع، لكن اللى بيحصل مش قصاص رادع, إنما حالة زي حالات الثار في الصعيد.. تقتل واحد؟ هامسك واحد من عندك واقتله..
قتلت النائب العام؟ طيب هانفذ إعدام في واحد من المحبوسين.. قتلت حد تاني؟ طيب.. هخطف حد من عندك واصفيه بدون محاكمة.. اغتلت حد تالت؟ طيب هاعتقل بنات من عندك عشوائيا.. اغتلت حد رابع؟ طيب هاصفيك واشردك واغتال حد ليك عايش في أوروبا أو قطر.
ويستمر الطرفان مع كل حادث.. ده يصعد، فده يرد بتصعيد أعلى.. ده بيرمي رقم في مزاد، وده بيرمي رقم أعلى، والمزاد هو مصر نفسها اللي بيحصل فيها مقتلة،
هتؤدي إلى إنك خلال فترة قصيرة جدا – يمكن أقل من سنتين بالمعدل الهايل في التصاعد ده – تبقى داخل على حرب أهلية فعلية زي حرب لبنان والعراق بالضبط، واحب اعرفكم حاجة:
شعب لبنان وصل لمرحلة في الحرب الأهلية، بقيت المناطق متقسمة متاريس ولجان وميليشيات.. يعني مثلا منطقة عين شمس إخوان ومنطقة مصر الجديدة سيساويين وكل يومين الإخوان بيشيلوا سلاح ويحطوا على منطقة مصر الجديدة وياخدوها أو العكس،
بس أكيد أنت لو بتفكر أو قريت عن حرب لبنان، هتلاقي إنهم ما كانوش في يوم في بلد والدنيا شمس ومشرقة، وناموا وصحيوا مثلا ولقوا نفسهم في الوضع ده.
(4)
في حالة لبنان:
هما – بالبلدي – اتزحلقوا للوضع ده كده بالتدريج.. أيوه.. واحدة واحدة.. سيكا سيكا! لغاية ما لقوا نفسهم انتقلوا من مرحلة: قتل هنا وقتل هناك, إلى اغتيالات صغيرة، ثم اغتيالات كبيرة، ثم سيارات مفخخة لده ومفخخات لده، ثم عربيات، ثم تريلات، ثم سيارات نقل وشحن مفخخة، ثم ميليشيات وميليشيات مضادة، ثم وصلوا لمرحلة تدمير المفاصل والدمار الشامل، والفكرة إنهم كان كل تيار أو مجموعة مسيطرة عليهم بعناد
(واقروا صحفهم كويس وقتها) إنهم يقدروا (يخلصوا) على التانيين وكان بيحمسهم أشكال ليها صوت زاعق في كل ناحية – زي أحمد موسى أو المغير كده بالضبط-
بتحمس وتحرض على القتل والقتل بدون محاكمة والفشخ للتانيين وبأقصى قوة وبدون رحمة، وبتخون أي حد يدعو لغير كده، وبتدعو لإقصائهم تماما، أو قمعهم كمان، وبتدعو للانتقام، مش لتطبيق عدل، إنما انتقام وتدمير للآخر حتى الفناء.
وفي النص.. مات كده حوالي ربع مليون واحد.. عادي يعني يعني.. حوالى 12 % من السكان، اللي كانوا وقتها في حدود 2 مليون وشوية (بحسب تقديرات لأن وقتها فيه ناس ماتت بدون تصاريح وفيات).. وفي النص بقى حصل كل الكوارث اللي تتخيلها أو ما تتخيلهاش, أقلها شاتيلا, وأقلها اغتيالات إرهابية لزعامات, وأقلها تصفيات وقناصة وكل الأكشن اللي تتصوره!.
لغاية ما في يوم بعد 15 سنة تقريبا, حسوا بالإرهاق، واستنزفوا تماما كل الأطراف، وتقريبا زهقوا أو بصوا للبلد لاقوها بقت حاجة أقرب لخرابة، وبصوا لبعضهم بصة على غرار: مش كفاية كده يا عم الغبي؟ اصلها قلبت بغم يعني!
وقعدوا واتفقوا على قاعدة شهيرة:
لا غالب ولا مغلوب، وكفاية كده.
(5)
عارفين إيه اللي بيفرق الإنسان عن الحيوان طيب؟
إنه عنده ذاكرة وبيدرس تاريخ اللي قبله، وما يكررش غلطته.. يعني حيوان الفار مثلا, بياكل الجبنة في المصيدة, ولو شافه أخوه, هيكرر الغلطة.. الإنسان بقى, مختلف، لو شاف حاجة أو سجل حاجة، بيتعلم منها.. سواء في علم أو تاريخ أو فكر, وبيراجعها ويزود عليها، أو يعدلها أو يطورها، وده سبب التطور الإنساني أصلا.
(6)
بينما أنت بقى قاعد متشنج وفي حالة هيستيريا، سواء هيستيريا انبساط بالقتل، أو هيستريا غضب من القتل.. في كل الأحوال، أنت طالما مش باصص على الصورة العامة، وبتتخانق وبس وبتزايد، أو مشغول بإننا نقتل أكتر أو فرحان أوي أو غضبان أوي، فأنت في حالة هيستريا.. إيه هي الهيستيريا دي اللي بتقولها لنا؟ سماتها إيه؟
هاختم كلامي بسرد بعض سماتها كده سريعا:
العاطفية الزائدة – تقلب المزاج – المسايرة – حب المجاملة الانفعالي – التمركز حول الذات – عدم التحكم في الانفعالات – السذاجة – سطحية المشاعر – الانقياد – الاعتماد على الآخرين – الأنانية – العناد على وجهة نظر دون مراجعة.
ودي جزء من أعراض الهيستريا الجماعية في المجتمع حاليا.. واحدة برضه من أعراض الهيستيريا، إنك مش هاتهتم غالبا بالمقال ده أصلا، وهتكمل بعديه وهتقول:
كلام أوفر, وأكيد مش هنوصل لكده, بيبالغ أوي يا عم.
(7)
لهذا خلينا نقول:
طيب خلينا كده بقى يا جماعة، بدل ما نقعد نقول: خبر محزن.. اغتيال شخصية عامة كده، ويا ترى إيه الأسباب؟
وهو أكيد في كل مجتمعات نسبة فيها مختلة (زي داعشيين ألمانيا)، بتنجر للعنف بعيدا عن أي ظروف, زي عود كبريت، بس نسبتهم مثلا 200 واحد في مجتمع فيه 40 مليون مثلا! لكن مش يمكن نكون إحنا بنكب على عود الكبريت، برميل بنزين مثلا؟!
في كل الأحوال:
أهلا بكم في الحرب الأهلية.. هتعرفوا إننا في الحرب الأهلية، لما الاستهدافات المتبادلة تزيد، والاغتيالات تزيد، وهتعرفوا إننا في صلب الحرب الأهلية, لما يبقى خبر زي
(انفجار سيارة مفخخة ومقتل فلان!) بيمر عادي كده قدامكم في شريط الأخبار، وأنتوا بتتفرجوا على التلفزيون! وهتستيقظوا على إننا في حرب أهلية، لما تسمعوا عن استهدافات حيوية أكبر، أو معارك قريبة من منطقتكم السكنية، بين ميليشيات وميليشيات، أو ميليشيات وشرطة وجيش.. ساعتها هتفكروا وتقولوا: واضح إننا كنا متحمسين كلنا للغة القوة والصرامة زيادة عن اللزوم، وإن الأفضل نحل جذور المشكلة.. صح؟ وتقولوا: (مش كفاية كده لاحسن تقلب بغم؟)..
يا رب احفظ مصر، وزيح الغشاوة عن عيون المندفعين بينا لمصير كارثي كامل.