\”تحبوا تاكلوا إيه يا ولاد أول يوم\”.. كلمات تعودت سماعها قبل رمضان بأيام، لا أشعر أن الشهر الكريم أقترب إلا من خلال كلمات أمي، تستمع بعناية لطلبات كل فرد في الأسرة وتزيد من عندها أصناف وأصناف، الكلمة تحمل في خيالي طعم الفطور الرمضاني وشكل الزينة وصلوات التراويح ولمة الفطار والسحور، خمسة أعوام وأنا اسمع \”تحبوا تاكلوا إيه أول رمضان\” سواء من أختي الكبرى أو صديق قرر أن يستضيفنا في بداية الشهر ولا أشعر بطعم الكلمة، خمسة أعوام على فراق أمي افتقدت فيها الإحساس بطعم المناسبات
نسأل أنفسنا دائما: لماذا نسعد بكلمة \”وحشتني\” من شخص معين دون غيره وتعطينا كلمة \”متخافش أنا في ضهرك\” من أحد أصدقائنا دفعة إيجابية وجرأة على اتخاذ قرارات مصيرية، في حين أن نفس هذه الكلمات نسمعها من أشخاص آخرين وتمر على أسماعنا يوميا دون أن نقف أمامها، لأنه ببساطة الكلمة تأخذ من روح صاحبها، المعنى المجرد للكلمات كالجسد الهامد، بينما المشاعر والأسلوب هما الروح التي تحرك كلماتنا وتجعل منها كائنا حيا يعيش معنا سنوات وسنوات.
يقول الأبنودي: \”حبيبتي كل ما بنسى تفكرني بيكي الحاجات\”
هكذا لخص الخال كيف يمكن للأشياء التي تحاصرنا أن تضيء نور الذكرى في عقولنا، أشياء وكلمات بسيطة تظل أيقونة أشخاص بعينهم في حياتنا، أتذكر أول \”بحبك\” سمعتها في مرحلة الثانوية، آخر \”خلي بالك من نفسك\” قالتها أمي قبل وداعها، آخر \”هتوحشيني\” قلتها في لحظة فراق من أحببت، نلخص مواقفنا الصعبة أو السعيدة في كلمة تعيش داخلنا، كلمة واحدة قد تعطيك أملا في المستقبل وكلمة أخرى قد تسلب منك الرغبة في الحياة، نصرف سنويا مليارات على الطعام لإرضاء حاسة التذوق، وأحيانا نبخل على بعضنا البعض بكلمة نتذوقها بإحساسنا قد ترمم علاقات أنهكها الجفاء وسوء المعاملة، فإن كان الطعام يعطينا السعرات الحرارية اللازمة لبذل المجهود والقدرة على الاستمرار على قيد الحياة، فإن بعض الكلام قد يعطينا ما نستطيع به تقبل هذه الحياة رغم ما نعانيه من ضغوط وأزمات.