(1)
الهروب من المدرسة
كل اللي فاكره.. إني كنت بحب بيتنا أوي، وكنت بحب العيال اللي في الشارع وهما كمان كانوا بيحبوني.. وكنت بحب أوي ألعب في الشارع،
وكان العيال الأشقيا دايما بيلعبو، وهم حافيين من غير شباشب في رجلهم، ووشهم دايما ملحوس.
وأنا كان نفسي ابقي شقي زيهم، وكنت نفسي ابقى شبههم أوي، عشان محدش يتعامل معايا إني فرفور أو متدلع.
يعني كتير، كنت اخرج من البيت، لابس الشبشب في رجلي عادي، وأول ما اخرج البسه في إيدي زي الغويشة، واقعد احاول المس التراب وألحوس وشي بالتراب عشان ابقى شبههم.
بس بردو ماكانش بيليق عليا أوي، لإني كنت أبيض أوي وملظلظ وأمي كانت دايما بتنقعني في الطشت النحاس، وتقعد تدعك في جسمي بالليفة والحجر وتبوظلي كل الخطط والمجهود اللي كنت بعمله علشان اعمل تحول جذري في شخصيتي، وابقى شبه العيال اللي بحبهم وبيحبوني.
وكنت كتير بتكسف لما حد ييجي يندهني ويقوللي: كلم ماما يا حمادة:
أصل أنا في المنطقه عندنا اسمي حمادة، لحد دلوقتي.. آه وربنا المعبود بجد.
وكان سهل أوي إن أي شوية عيال يستفردوا بيا ويضربوني ويطلعو يجروا، لولا أصحابي اللي في الشارع اللي بيمشوا حافيين، وليهم وضعهم في وسط المنطقه بين العيال.
ودخلت المدرسة، وأمي عملت لي المريلة العجيبة أم كرانيش، اللي زودت أزمتي، وخلتني ابقى ماشي في الشارع زي الكرومبة المتزوقة بكرانيش، وسهل جدا إنها تتحول لتنورة، ولو ضغطنا على نفسنا ولفينا حوالين نفسنا، ممكن نطير لفوق.. لفوق أوي.
واتعودت آخد قميص أو بلوفر، واحطهم في الشنطة العجيبة بتاعة المدرسة، وأول ما اخرج المدخل، اقلع المريلة، والبس البديل، وكذلك وأنا راجع، وقبل ما ادخل الشارع، ابدل تاني، وابقى لابس مريلتي المكرنشة اللي شبه التنورة.
وفي الفترة دي، ابتديت اكت من المدرسة بشكل مش منتظم، واروح سيما أوبرا النهضة أم 35 قرش، أو اروح اركب مراجيح وألف في الشوارع اللي حوالين مدرستي اللي كانت عبارة عن قصر قديم من ضمن قصور وسرايات كتير كانو مالين المنطقه اللي حوالين مدرستى، وكنا كتير بنطلع على سور أي فيللا أو سرايا من القدام، وناخد من على الشجر مانجه أو جوافة أو بامبوزيا أو توت.
بس اللي بيتمسك – تقريبا – كان بياخد علقة يفضل فاكرها طول عمره. ولما كنت في سنة تالتة إبتدائي، انتظمت في إني اكت من المدرسة، وبقيت من مريدين السينما، لدرجة إني كنت بدخل اتفرج على البروجرام كامل، اللي عادة كان مابيقلش عن 3 أفلام بنفس التذكره اللي كان تمنها 35 قرش، وكنت كتير بتفرج على نفس البروجرام كذا مرة.
أمي – الله يرحمها – حكت لي إنها أول ما جت القاهره، أبويا خدها وراح السيما، وكان في بداية الفيلم واحد بيبوس واحدة، وإنها اتكسفت وصممت ترّوح، لدرجة إن أبويا ضربها بالقلم وزعقلها وقالها إنهم لو خرجوا، هيتقبض عليهم، وهي صدقته، وقعدت تعيط لحد ما الفيلم خلص، وروحت وهي بتعيط من القلم اللي خدته، وقعدت أسبوع تأكله فول بس، عقابا ليه، علشان مايكررهاش، وهو كان بيضحك، وفضل يجيب تذاكر سينما ويقولها إن لو ماراحوش السينما، هيتقبض عليهم وإنها كانت عارفه إنه بيضحك عليها وبتروح برضه كأنها مصدقاه.
الله يرحم أبويا وأمي والمدرسة والسينما اللي اتهدت، واتبنى مكانها عمارة تحتها جزار كبير.
(2)
السادات بتاع حشيش ومبارك بتاع بانجو
كنت لسه عيل صغير، وبحب اروح السوق مع أمي واحب اروح مع أبويا أي حته بيروحها.. كنا بنروح عند ناس قرايبنا بيحبوا السادات أوي، وكانوا معلقين الصور بتاعته ف كل حته وفي وسط اوضة الجلوس حاطين صورة كبيرة أوي للسادات وصورة صغيرة جنبها لعبد الناصر.
كنت ساعتها لسه مادخلتش المدرسة، وكنت بستغرب من الشباب اللي عندهم في البيت وفي المنطقة اللي لابسين تيشيرتات بيضا وعليها صورة السادات!
وكان النور ساعتها بيقطع كتير وبشكل تلقائي، يركبوا رتينه للكلوب الغاز وينور نور شكله جميل أوي أوي.
كنت بشم عندهم ريحة بخور حلو أوي، وبروح مبسوط ومستمتع وجعان وباتاوب وعاوز أنام أوي.
وكتير كان أبويا بيسيبني ويروح مشوار بسرعة، هو وقريبنا ويرجغوا تاني، وبعد الرجوع – عادة- بشم الريحة الحلوة اللي بحبها.
وفي يوم، وأنا هناك، صممت اروح مع أبويا المشوار اللي بيروحه ويرجع بسرعة ووافق بالعافية.
وفعلا مشينا كام خطوة، ولقيتنا نفسنا جوة حارة كبيرة، وفيها ترابيزات كتيرة على الجنبين، وريحتها كلها نفس ريحة البخور اللي دايما بشمه.
أبويا وقريبه – تقريبا – لفوا على كل الترابيزات وسلموا على كل الناس اللي كانت قاعده قدام الترابيزات دي، وابتدو ينقوا حاجات ويشموها ويتكلمو كلام مش فاهمه، وفي الآخر وقفوا كتير عند ترابيزة، وخدو حاجة محطوطة في سيلوفان، بعد ما الراجل وزنها لهم بميزان زي اللي عند بتوع الدهب اللي باروح مع أمي وهي بتشتريه.
وفي يوم لقيت أبويا راجع من الشغل زعلان، وشوية وروحنا عند قرايبنا، ولقيت الستات هناك كلهم لابسين أسود وبيعيطوا والراجاله زعلانين أوي وبيترحموا على السادات وبيدعو على اللي موته.
وفجأة ريحة البخور زادت، وناس كتير جم، وكل ما العدد يزيد ريحة البخور تزيد، وكل اللي بييجي بيبقى حزين وصوت القرآن خارج من كل البيوت.
الناس كانت بتعزي بعض على موت السادات وهم بيعيطوا، وبعد كده بقيت لما اروح هناك، مابشمش بخور كتير زي الأول.
وفي يوم، بعد ما مبارك ما بقى رئيس وماعلقوش صورته، شميت بخور ريحته وقحة وحقيرة.
ساعتها كنت كبرت شويه وبقيت في المدرسة، وعرفت من أبويا اللي بطل يروح مشواره السريع وبطلت اشم ريحة بخوره، إن السادات – الله يرحمه- كان سبب الريحة الحلوة اللي في الشوارع، لكن مبارك خللا ريحة الشوارع بانجو.
مافهمتش حاجة من أبويا، لكن عرفت إن البخور الأولاني كان اسمه حشيش، والبخور التاني اسمه بانجو، وبذكائي الخارق اقتنعت إن السادات بتاع حشيش ومبارك بتاع بانجو.
ربنا يرحمك يا سادات ويحرق البانجو.
(3)
رياضة الشعبطة في عربيات الزبالة
كنت بحب اتشعبط في عربية الزبالة، وكانت أهم رياضه بمارسها أنا والعيال اللي في الشارع، هي رياضة الشعبطه على العربيات.
وطبعا كان فيه طقوس معينة بنحب نعملها الأول كنوع من أنواع التسخين.
أول حاجة، هي إننا نقلع الشباشب ونخبيها تحت بير السلم، أو لو خوفنا إن اهلنا يكتشفو الجريمه، كنا نكتفي إننا نقلع الشباشب ونلبسها في إيدينا ونبقى حافيين عشان ننطلق.
وطبعا ماكانش عندنا شوارع متسفلته في منطقتنا، والشوارع كانت نضيفة، لإن الرجالة كانوا كل يوم يكنسوا قدام بيوتهم ويرشوا مايه ويسقوا الشجر اللي كان منتشر أوي عندنا، وبالتالي كانت الشوارع مافيهاش زلط يزعلنا لو مشينا عليه، وفي نفس الوقت كانت العربيات القليلة اللي بتعدي عندنا، كانوا بيضطروا يمشوا بالراحه عشان مفيش أسفلت يخليهم يجروا، وكنا بنحب نتشعبط في العربيات النص نقل لسهولة الشعبطة عليها لقربها من الأرض.
وكانت أحلى فرصة للشعبطة، هي الشعبطة على عربيات الزبالة اللي بطبعها ماكانتش ريحتها وحشة، وفي نفس الوقت.. الزبالة ريحتها ماكانتش وحشه زي دلوقت، علشان بواقي الأكل كان الناس بيحطوها للطيور والحيوانات اللي بيربوها، وكانت الزبالة عادة بتتلخص في شوية ورق وخشب قديم.
المهم إني كنت بحب صوت التزييق بتاع العربية أوي، وبحب هدوئها في المشي، كإني راكب مرجيحة بيتي، وبحس إني راكب بساط الريح وطاير لفوق.
إحساس الشعبطة بالنسبة لي أنا والعيال، كان مهم أوي، وكان عامل زي الحالة الصوفية اللي بتحسها بعد ما تحضر حضرة ومولعين فيها بخور والنور أخضر وخفيف.
وكنت لما بانزل من الشعبطة على العربية بعد السواق ما كان بيعمل نفسه بيزعقلنا من غير ما يضربنا، واهرب وابتدي اقلع الشبشب من إيديا وانزل التشميرة بتاعة البنطلون.. كنت بفرح وبحس بالانتصار زي ما نبيل الحلفاوي نجح إنه يخرم اللغم من غير ما يفرقع في فيلم \”الطريق إلى إيلات\” ولم يكن ينقصني لتكتمل تلك الفرحه إلا بحضور مادلين طبر ونزول تيتر النهاية، وإحنا بنحضن بعض من روعة الفرحة والانتصار
(4)
قعدة القهوة
أول مره قعدت على القهوة، كان عندى أربع سنين!
روحت القهوة، أنا وواحد جارى قدى في السن، والقهوجي شالنا، وقعدنا على الدكة.. وإديتله شلن، وقولت له: هات لنا كوباية شاي ومعلقتين، عشان الشاي بيبقى سخن.
والقهوجي ضحك وقاللي: ماشي يا حج
كنت مستغرب، هو بيضحك ليه.. لحد مابصيت على باب القهوة، لقيت أبويا وأبو سيد صاحبى، ووراهم الشارع بتاعنا كله من رجالة لستات لأطفال.
أصل منطقتنا كان فيها قهوة واحدة، ماكانش بيقعد عليها غير الصيع.
أبو سيد مسكه وبقى يديله النص يطييره لفوق، ويقع على الأرض.
أبويا قعد يحوش عن سيد وأنا طلعت أجري.. استخبيت تحت الكنبة من الخوف.
بعد ساعتين لقيت أمى بتصحيني، وخرجت من تحت الكنبة، لقيت الطبلية محطوطة، وأبويا قاعد، وراح شاخط فيا، وقاللي: كل يابن الكلب.
قعدت اعيط واترميت في حضن أمي.
أمي باستني، وقعدت تضحك هي وأبويا.
ومن ساعتها وأنا بقيت اعشق القهاوي.
ولما كبرت، بقيت باقضي على القهاوي معظم الوقت.
باشتغل على القهوة وباكل على القهوة وبقابل الناس اللي بحبهم على القهوة وبحب ع القهوة.
ودلوقت، وأنا قاعد على القهوة، افتكرت أبويا وأمى والقهوة وسيد وتحت الكنبة والطبلية.. الله يرحمهم.