محمد عبد الغفار يكتب: صنع في مصر

قلما نرى تلك الجملة، عادة نحن المصريون نلجأ للبضائع المستوردة في غالبية احتياجاتنا، ليس هربا من السلعة المصرية، وإنما لعدم وجودها.

وهنا السؤال الذي يفرض نفسه:

– أين الصناعات المصرية؟!

= في الحقيقة تلاشت الصناعات في العقود الأخيرة وحل محلها المستورد، لكن هناك ما نمتلكه ونتميز به.

– حقا؟! ما هذا؟! وأين نجده كي نتعاون ونشجعه وننهض ببلادنا؟!

= يوسف شعبان.

– أتمزح معي؟!

= دعني أقص عليك بعض الأحداث سريعاً، منذ ما يقرب من ستة أعوام، قُتل شاب يدعى خالد سعيد على يد أحد البلطجية المنتمين لوزارة الداخلية، خرج على أثر هذا الحادث آلاف الشباب غاضبين من هذا الجُرم، كان من بينهم ذلك اليوسف، كانت مطالبهم تتلخص في القصاص ومعاقبة المسئولين، لم تستجب السلطة لمطالبهم وازدادت الأمور سوءا وقهرا، فغضبت جموع الشعب المصري واشتعلت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ثم توالت الأحداث بدء من تخلي مبارك وتفويض المجلس العسكري، مرورا بحكم الإخوان حتى حكم السيسي.

– لا أفهمك.. ما شأن ذلك بالبضائع والاستيراد والصناعة المصرية؟!

= برزت خلال تلك المرحلة الكثير من العقول المثقفة والواعية، معظمهم من الشباب، يمتلكون مشروعا هو الوحيد الذي لم يُنفذ في مصر حتى الآن.

– وما هو المشروع.. حتما تقصد بعض الصناعات.

= هو شئ أشمل من ذلك وأعظم.

– ….؟

= العدل.. العدل هو الشئ الوحيد الذي لم تسع له الأنظمة المتعاقبة في مصر، العدل الذي غاب في عصر الإخوان، فاعتدوا على يوسف ولفقوا لهم الاتهامات جزافاً، العدل الذي غاب عن نظام السيسي، فقام بالزج به في السجن على أثر الإتهامات التي لفقها له الإخوان!

العدل الذي غاب، فأوهموه بأنهم قد اكتشفوا علاجا يشبه المعجزة لمرضه الذي يعاني منه.. فيروس سي.. والذي كتب عنه يوسف بخبرته في المرض -وليس في الطب- أنه غير واقعي بالمرة، ولكنه تمنى أن يكون مخطئا حتى يساعده هو وغيره على الخلاص من ذلك المرض اللعين، لكن اكتشفنا جميعا أن اللواء صانع جهاز الكفتة (محتال).

العدل الذي غاب فغاب يوسف ومازال خلف أسوار سجن برج العرب ما يقرب من ثلاثمائة يوما دون رعاية صحية، مما أدى الى تدهور حالته، إثر تعمد وإصرار كاملين على إيذائه ومنع الدواء عنه لإلحاق الضرر به.

– لم أر في كل ما قيل ما له علاقة بـ \”صنع في مصر\” ودعم الصناعة المصرية.

= هذه هي الصناعة المصرية الحقيقية، هؤلاء هم الخامات التي بدونها لن نستطيع انتاج السلع المختلفة، صحفيون مهندسون مُعلمون أطباء محامون طلاب ومفكرون، شباب تنبض قلوبهم بحب تراب الوطن، وتزدحم جنبات عقولهم بالأفكار والرؤى التي من شأنها أن تنقل البلاد من الجهل والركود والإفلاس الفكري والاقتصادي إلى النهوض في شتى المجالات، لكن النظام يرى في تقييد حريتهم وحبسهم الملاذ الوحيد، هؤلاء هم العقل.

لم نعتد ولم نر يوماً مُصنّعا يعمل بدون خامات، وإذا صادفناه سنقول عنه (مخبول)، هذا هو حال مصر، واتمنى أن يدرك هذا المخبول أن تلك الماكينات لن تُخرج له السلعة طالما لم يغذها بالخامات، وأن الخامات لن تتحول لسلع مادامت ملقاة في المخازن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top