محمد عبد العزيز يكتب: اضغط على الرابط.. لتعرف التفاصيل

\”ملخص عن  تجربة شخصية في مجال الصحافة الإلكترونية، وإنعكاس لحالة الفوضى المهنية في مصر\”

في البداية ، أحب أن أعترف  بأني كنت واحداً ممن شاركوا آخرين نشر وتحرير أخبار في سبيل الفرقعة، وكان كل شيء وقتئذ يهون، في مقابل \”كشف إنتاج\” ممتلئ، يضم قائمة طويلة من الأخبار.. أقصد الفرقعات، التي قد تم نشرها على مدار شهر، حينها كنت أشعر بأني جندي مجند، أخدم على كرسي في أحد المواقع الإلكترونية تصدر عن جريدة أسبوعية، لا يصح أن يمر خبر  على موقع آخر دون أن ينشر في التو واللحظة على موقعنا.

عزمت على القيام بالمهمة عندما ذهبت ذات يوم لتحصيل الراتب الشهري من نفس المكان \”قسم الإصدار الورقي\”، وفوجئت بأن المبلغ المرصود لي \” 75 جنيه مصري لا غير\”! فقررت على الفور الانضمام لفريق الموقع الإلكتروني براتب 500 جنيه شهرياً، عام 2011، واستمر الوضع حتى وصل راتبي بعد أن أنهيت مدة التجنيد الإلزامي في الجيش إلى 950 جنيه، علماً بأني كنت أمارس المهنة \”خلسة\” من وقت الميري طيلة عام.

لم أقصد السرد الممل لتجربتي الشخصية في بداية عملي بمجال الصحافة، ولكن هنالك ما يستحق أن تقام من أجله الثورات؛ لتغيير وجه العالم الممتلئ بالشحنات النفسية والكبت المهني وحبس الطموح والإبداع ودفن المواهب.

في مصر.. أكثر من مائتي موقع إلكتروني إخباري، القليل منها يصدر عن مؤسسات صحفية، تتنافس تلك المواقع كسباقات الماراثون على قائمة موقع إليكسا، المعني بتصنيف وترتيب المواقع بحسب نسبة المشاهدة والمشاركات والتفاعل.

وهنا تبدأ المعركة الحقيقة التي يتم خلالها ضخ كميات هائلة من الأخبار التي تجذب القارئ حتى ولو بالسب والقذف للموقع والمحرر ولشخص رئيس تحريره، نعم.. تحصد المواقع تلك الشتائم اليومية بسبب ما ينشر، ويعتبره المسؤولون أوسمة شرف لما يحققونه من نجاح تجاري، لأن \”مهنية\” ماتت!

وللأسف، ضحايا هذا الصراع \”الإخباتجاري\” همُ المحررون، لأنهم الطبقة الأكثر عوزا للمال والخبرة في مجال الصحافة، فلا يوجد موقع إخباري في مصر لا يضم الموهوب والموهوم، يجتهد الأول ليأتي بالمادة الصحفية القيمة.. غير المقروءة أحياناً، والأخير ينشر كل ما هو \”تافه\” ليجذب المشاهدات والمشاركات في سبيل كشف الإنتاج.. العبدُ المأمور.. صاحب الكفة الأرجح!

تمر الأيام والشهور ويرتقي المحرر إلى رتبة \”رئيس\”.. رئيس قسم التحقيقات في الموقع الفلاني.. رئيس قسم المحافظات، أو أي رئيس.. المهم أنه أصبح رئيساً.

وهذا المحرر \”الرئيس\” لا يمكن على الإطلاق أن يمسك عن شهوة الإدارة والسيطرة ورسم الصورة الكاملة أمام المحرر المتدرب المسكين، وتبدأ التشريفة بأبجدية الصحافة التي تعلمها \”الرئيس\”، كيف تضع عنوانا جذابا.. كيف تصنع خبرا يحدث ضجة على مواقع التواصل.. كيف تصنع \”قنبلة\” إخبارية في خمس دقائق.. ثم يطلق عدة دورات تدريبية للمساكين \”المحررين المتدربين\” في مهارات \”الضرب والفرقعة\”، فيشربوا كل ما سمعوه، ويهضموه، ويسبّحوا بحمده، ويؤمنون به \”رئيساً\”.

إلى هنا، تكتمل دورة صناعة الفشل المهني، قد تستغرق شهرا أو عاما، لكن هناك الكثير من الخريجين يوميا يستعرضون مهاراتهم في جذب القراء عن طريق التضليل والتدليل تحقيقا لنظرية \”جر رجل الزبون\”، ضع نصف العنوان، والتفاصيل على الرابط.

أنقذوا الصحافة الإلكترونية في مصر من داء السخافة، واعطوا المحررين حقوقهم المادية والأدبية حتى لا يصبحوا \”عمال ترافيك\”، تضربهم \”السبوبة\” ويمرضون بالجشع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top