ما اعرفه -وعلى حد علمي- أننا شعب أسمر البشرة، معظمنا قمحي اللون، وبالرغم من أن الشعب المصري به خليط غريب جدا، بمعنى أنك قد تجد أشقر ذا عيون زرقاء، مصري (مثال حسين فهمي)، وقد تجد أسمر بملامح أفريقية وهو أيضا مصري (مثال شيكابالا)، إلا أن الثابت أننا شعب أسمر البشرة، وجميع أغانينا الوطنية، بل والعاطفية، تتحدث عن الولاد السمر الشداد وعن الأسمر أبو ضحكة ترد الروح (وطبعا كل الكلام ده لا يودي ولا يجيب) إلا أن رد فعل معظم المصريين حينما يرون أي شخص أسمر في أي مكان ما غريب جدا (اتحدث عن تجربة بحكم أني أسمر البشرة)، وينقسم رد فعل الناس في الغالب إلى ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى: هي مرحلة البحلقة بمعنى أن الشخص ينظر إليك لمدة طويلة، وكأنه يرى كائنا غريبا للمرة الأولى في حياته، وتلك أهون مرحلة (يبص براحته يا سيدي ولو عايز صورة ياخد هو غريب؟)
المرحلة الثانية: هي مرحلة بداية الكلام وحصار الأسئلة، وفي هذه المرحلة يجب عليك أن تكون جاهزا فيها للتحقيق.
س: أنت منين يا كابتن؟ أنت من أسوان يا لون؟ على أساس أن كل السمر في مصر من أسوان, ثم إنه طالما أنت بسم الله ما شاء الله نبيه وعارف إنه أكيد من أسوان، بتسال ليه؟ لكن الأغرب هو رد فعله حينما يعرف أنك مش من أسوان ولا حاجة، وأنك ساكن في الشارع اللي وراه مثلا!
المرحلة الثالثة: هي مرحلة خفة الدم، وفي هذه المرحلة يجب عليك أن تكون طويل البال وأن تتحمل خفة دم شخص تراه للمرة الأولى، وربما الأخيرة, لكنك مع الوقت ستتعود وتعرف الإفيهات التي ستقال، لأنها في الغالب محفوظة ومعلبة.. معظمها عبارة عن أسماء اللاعبين الأفارقة من قديم الأزل، وكل واحد وثقافته الكروية، أو على حسب النادي اللي بيشجعه أو على حسب سنه مثلا.. يعني المشجعون القدماء سينادونك بكوراشي، أما الجدد فسيظهر اسم فلافيو بقوة، وفي الإسماعيلية لا بديل عن اوتاكا، وهكذا يجب عليك الصمود والتحمل وربنا معاك بقى!
ورغم كل هذا، إلا أن هذه الأشياء فرعية لا قيمة لها, صحيح أنها قد تصيب بالضيق لبعض الوقت، لكنها سرعان ما تزول بحكم التعود, الأهم من ذلك أن هناك العديد من المواقف الأخرى التي تظهر فيها العنصرية بوضوح وقسوة، وعلى رأسها موضوع الزواج، فقرار قبول الزواج من شخص أسمر البشرة في مصر قرار صعب اتخاذه، والرفض هو القرار الأقرب بشدة، وحدث ويحدث وسيحدث كثيرا، وهذا هو العار الحقيقي في وطن مسلم وفي أمة تبحث عن الشريعة الإسلامية التي من أول مبادئها المساواة.. حقا عن أي شريعة يتحدثون؟
ولا تتعجب أن ترى معظم الفتيات المصريات أصحاب البشرة السمراء، وهم يضعون أطنانا من الكريمات المفتحة للبشرة على وجوههم، ولا تندهش إذا قلت لك إن معظمهن يحلم باليوم الذي سيصبحن فيه بيضاوات، ويتخلصن تماما من لونهن الأصلي، فهذه هي مصر يا أعزائي، وهذه هي مقاييس الجمال عندنا، فلا تلوموهن، لكن لوموا المجتمع ذو النزعة العنصرية.. بالمناسبة هو ليه مفيش مذيعة سمرا في مصر؟