Header
في فيلم \”الرسامون\” (Los Hongos)* يرسم المخرج الكولومبي أوسكار رويز نافيا صورة حيوية للشباب المضطرب والساخط في مدينة كالي جنوب غرب كولومبيا، حيث يأتي الفيلم أحيانا كفيلم نضوج (coming-of-age film)، وأحيانا أخرى يبدو كتعليق سياسي على الربيع العربي، ويتركز هذا كله حول موضوعي الثقافة ورسوم الجرافيتي اللذين يسيطران على عالم شخصيتي الفيلم الرئيسيتين، راس وكالفين. الصداقة بين الاثنين فيها الكثير من المثالية والرغبة في كسر الحواجز الطبقية والعرقية مع إلحاح المخرج على استخدام براءة الشباب كثيمة ثابتة طيلة أحداث الفيلم.
ترسم احتجاجات الربيع العربي الإلهام والخلفية السياقية لشخصيات الفيلم، بعملها كمحفّز لـ \”راس وكالفين\” على المشاركة بشكل سياسي أكبر في رسوم الجرافيتي التي يقومان بها والانضمام إلى مجموعة أوسع من الفنانين النشطين. الجرافيتي، وهو كناية ثابتة عن المقاومة والاغتراب طوال الفيلم، هو نقطة الربط والتلاقي بين ما يصبح واضحا أنهما شخصين من خلفيات مختلفة على نحو ملحوظ: تربّى راس تحت رعاية أمه الوحيدة والعاملة في نفس الوقت، قبل أن ينتقل الاثنان إلى المدينة، وكالفين بعد طلاق والديه أصبح يعيش مع جدته التي تخضع حاليًا لعلاج كيماوي. يجلب كلا الصديقين عوالم فريدة إلى الآخر وأبدًا لا يحاول أحدهما طيلة الفيلم تأكيد أهمية تجربته/خبرته على حساب الآخر.
هذه الصداقة الرفاقية كثيرا ما تستخدم كأداة سياسية مثالية متوارية من قبل المخرج، الذي يسعى لرسم تصوّر للمقاومة والتضامن بين مجموعة متنوعة من الجماعات المضطهدة. عندما يُسئل راس: \”هل أنت في الجامعة أيضًا؟\” يجيب بوضوح: \”لا، أنا متزلج\”.
التضمينات والاستنتاجات في الفيلم واضحة ولم يحاول المخرج تأطيرها أو \”بروزتها\”، وهذا واحد من أكثر التوجهات إثارة للإعجاب في \”الرسامون\”.
من ناحية أخرى، كالفين طالب -على الرغم من أن المَشاهد التي يتفاعل فيها مع زملائه يبدو متأرجحًا بين الاستمتاع وعدم الراحة بشكل واضح- من هؤلاء الذين يركبون دراجة (هناك سحر خاص بالنسبة لي في الأفلام التي تحتوي شخصيات تعتمد على الدراجة في انتقالهم وخصوصا في بيئة مدينية حضرية مثلما في الفيلم).
العلاقات التي يتشاركها الأولاد مع الاستعارات أو المظاهر الأمومية هي أحد عناصر الفيلم الخاصة والبارزة: والدة راس (ماريا) إنجيلية متدينة، ولكن على الرغم من عدم اتباع ابنها للدرب الإيماني ذاته، فإنه لم يُسائل ذلك أبدًا ويسمح للأمور أن تأخذ طريقها. وفي واحدة من اللقطات الطويلة المميزة في الفيلم، يصوّر المخرج ماريا وصديقاتها يغنين في انسجام واضح في أحد أكثر مشاهد الفيلم جمالًا، وراس الموجود على حافة الكادر ينتظر بحرص حتى ينتهين محاذرًا قطع أو إعاقة المشهد. من ناحية أخرى، يُظهر كالفين وجِدّته قدرًا مُشابهًا من الاحترام المتبادل.
هذه العلاقات تسمح بنمو نوع من \”حميمية الفُرجة\” مع الفيلم من دون اللجوء إلى ابتذال سنتمتالي يدفع المتفرج دفعًا إلى التورّط في ما يقدمه الفيلم من قصص وحكايات أو طرح سياسي واجتماعي.
مع التأكيد مرة أخرى على جودة الفيلم كمنتج نهائي، يمكن الإشارة إلى افتقار الفيلم لإتجاه إخراجي واضح كما لو كان صانعيه غير متأكدين بالظبط مما يريدون حتى ليبدو الأمر أحيانًا وكأن المخرج رويز نافيا يحاول جعل فيلمه مرآة أحوال معكوسة لشخصيات الفيلم.
لم يضع \”الرسامون\” أبدًا حكايته أو سرده السينمائي نحو غاية نهائية، وبدلًا من ذلك نراه ينجرف وينحني ويدخل في شوارع جانبية ويتبادل بؤرة التركيز على الموضوعات والثيمات، وإذا حاول الواحد ذكر عنصر محدد في حياة كالفين وراس (شخصيتي الفيلم الرئيسيتان) تتبعه الفيلم بشكل معمّق؛ فإنه سيعود خالي الوفاض من هذه الرحلة البحثية.
تحرّك الفيلم مع شخصياته بطريقة تكافلية نوعًا ما، عاكسًا إحساس عدم اليقين المستمر الذي يمهر فترة المراهقة لكلّ من الولدين، وربما تكون تلك القراءة خاطئة في النهاية.
الفيلم لديه بعض العيوب وبالتأكيد ستحبط هؤلاء الذين يسعون إلى سرد سينمائي واضح (هذا غير موجود في الفيلم، وواضح أن ذلك مقصود من قبل المخرج)، ولكن لديه الكثير ليقدّمه من خلال نقده الاجتماعي اللاذع لتقلّبات التنشئة في كولومبيا تحت شبح التغيير المأمول.
تريللر الفيلم.. اضغط هنا
(*) عُرض ضمن أسبوع الأفلام الإيبروأمريكية بسينما زاوية بوسط القاهرة.