محمد صالح يكتب: مصير المركب

يا بيه الفساد مش بس في الكام مليون اللي لهفهم فلان بيه، ولطشهم علان باشا.. ولا في العمولة اللي الفخراني كان عايز يضربها ف جيبه.. الفساد أوسع وأعمق من كده بكتير.. عارف حضرتك الفساد فين؟

في حمام الجهاز الأمني المتبلط من عند سيراميكا كليوباترا، والحمامات بتاعته ديوراڤيت، والرخام بتاعه من مصنع قريب اللواء فلان باشا.. رخام بتاع إيه حضرتك، وديوراڤيت ليه سعادتك.. هو إحنا لاقيين ناكل؟

في النفق المتبلط سيراميك من أوله لآخره، سنتين والسيراميك قال اتكسر وبقى شكله وحش ويتغير برخام من مصنع قريب اللواء فلان باشا ذات نفسه مرة تانية.. ماله الأسمنت يا بيه؟ الأسمنت في ألمانيا وفرنسا والدانمارك والدول اللي أغنى مننا بشويتين.

في المطار الهاي لايف اللي إحنا مش عارفين لا نشغله، ولا نستفيد منه، في مدرجات الطيارات الإضافية اللي بنيناها ومش عارفين نستغلها كلها، في الطاقة الاستيعابية لفنادق المطار، والشاتل اللي ماشي من غير سواق، ومن غير زباين ليل نهار.. ولا حد فاهم فكرة مين، نحتاية مين؟ مين بيركبه.. المول بتاع المطار حضرتك؟ لمين؟ الباركينج بتاع المطار.. إزاي؟ المكن اللي نصه بيشتغل، ونصه ما بيشتغلش!

في الشارع اللي تيجي شركة الغاز تحفره، وبعدين تسفلته، وبعدين تيجي شركة المية تحفره وبعدين تسفلته، وبعدين تيجي شركة الكهربا تحفره وبعدين تسفلته.

في المواصلات اللي بنصرف عليها دم قلبنا، وبعدين في الآخر اللي بيكسب امبراطورية الميكروباص، وشركات الميني باص..

في المترو اللي مش عارفين نتصرف فيه إزاي، ولا عارفين نكسب منه إزاي.. لا عارفين نعمل تذاكر يفرق فيها طول الرحلة، ولا عارفين نغلي التذكرة.. ما هو مش عدل إن اللي يركب من الكوربة لكلية البنات يدفع زي اللي بيركب من الكوربة لحلوان! الدولة كده بتشوي ذرة مش بتمشي جهاز مترو أنفاق حضرتك.

في الزبالة سعادتك، الزبالة دي كنز.. اللي بيستفيد منه العيال اللي بتنزل تفرزها في الشارع ويرموا لك الفضلات في وسط الشارع، لا أنت عارف تلاحق عليهم، ولا عارف تلاحق على الشكاوي، وتبعت بلدوزرات تشيل القرف، ومكن كحيان يقلب الصناديق اللي ما بقتش مكفية.. الزبالة دي مشروع قومي سعادتك يكسّب دهب، العيال دي المفروض تشتغل معاك مش ضدك، التدوير دي شغلانة قائمة بذاتها والمفروض الدولة تلم الزبالة وتشوف هتفرز إزاي وفين، ولا تعمل حملة قومية، وتحدد أنواع الزبالة وأماكن الفرز.

في التعليم حضرتك، الفساد في إن كله بيلف حوالين بعضه، التعليم مالوش وجود في الوجود، التعليم في مصر من الآخر هو عبارة عن شهادة الثانوية العامة، والعربي والدين اللي كل المدارس في مصر المفروض تاخده.. الناس اللي مقررة تدرس في جامعات أجنبية على أرض مصر، ما بتتعلمش في مصر من أساسه، كل تعليمها وشهاداتها وشغلها على أرض مصر، إنما مش في مصر، حتى أماكن معيشتها ما بقتش شبه مصر قوي.. الكومباوندات دي سعادتك مش حتسترك ساعة الجد.. اللي أنت عايزه إن المصريين يبقوا شعب واحد، مش إنهم يعيشوا في معسكرات منفصلة كل واحد مالوش علاقة ببعض.

المستشفيات سعادتك ما بقتش مستشفيات.. إحنا مش محتاجين واجهة المستشفى، ولا بلاط المستشفى.. إحنا محتاجين مستشفى ممكن ما تبقاش شكلها حلو من بره، بس فيها دكاترة وأجهزة ومعامل.. الفلوس بتروح في مكان تاني خالص سعادتك.

الفساد في كل حتة، بينضف بالمكنسة والورقة والقلم، بينضف لما موظفين وزارة العدل ينضفوا الدواليب بتاعتهم، ويشيلوا الصراصير من تحتها، والأوض تبقى نضيفة.. مش شرط يعملوا لها شبابيك ألوميتال، ويجيبوا تكييفات ويقفلوا أدوار بألوميتال، المهم المبنى يبقى مناسب ونضيف وصحي، وحد يعمل له عمرة مقبولة مش شرط خمس نجوم.

إحنا عندنا هبل في الدولة، الدولة بتصرف كلام فاضي على الزخرفة، علشان يضحكوا على المسئول لما ييجي، وهو بعبطه ما بياخدش باله غير من المنظر، لا بيبص في دفاتر، ولا بيراجع أداءات.. الأداء هو المشكلة، الإنسان هو المشكلة، الوظيفة هي المشكلة مش المبنى ولا الرخام والسيراميك والإزاز والتكييف.. إحنا ممكن نعمل شغل زي الفل بكلام فاضي، إحنا شعب مبدع، ويقدر يلعب بالبيضة والحجر، ومفتحين وفهلوية ونعرف نعمل كل حاجة بس كل ما نيجي ننضف نلاقي اللي يشجعنا على الفساد، ويديلنا فرص أكتر للفساد والرشوة والمحسوبية والعمولات.. نقول لأ؟ طب إحنا مالنا.. الزبون عايز كده.

الحكومة زباين حضرتك، والدولة كلها زباين.. زباين علشان مفيش حد بيفكر بشكل منطقي عقلاني، ماحدش بيحاسب على القرش، وعلى الموارد.. وكأنها سيبة، وكإننا في الخليج مثلا.

إحنا دولة فقيرة، مش محتاجة كل المنظرة اللي بنعملها دي، محتاجين نشتغل ونشتغل على جوهر الأشياء مش على مظهرها.

الفساد في غياب المنطق، وغياب المنطق بيولد اليأس، واليأس بيولد اللامبالاة، واللامبالاة بتولد الأنانية والطفيلية والرغبة في النجاة من المركب بصرف النظر عن مصير المركب.. اللي ماحدش بقى بيفكر فيه!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top