لما نبطّل نرمي زبالة في الشارع، ولما نبطل نلبّس حد العمة، ولما نبطل نخرم التعريفة، وندهن الهوا دوكو، ونبيعه في قزايز، ولما نبطل “نحلق” لفلان و”ننفض” لفلان، ولما نبطل نطنّش ونصهين على الموضوع، ولما نبطل أم المكابرة والفهلوة اللي إحنا شايفينها إبداع وخيال وهي مش أكتر من خيابة وعبط، لما نعترف بجهلنا وعجزنا وحاجتنا للمساعدة ساعتها بس نبدأ طريق النهضة والتنمية. مصر رقم مهم في السياسة الدولية، والشعب المصري شعب عريق وعظيم، والحضارة المصرية مهد الحضارات الإنسانية، بس مصر لا هي أم الدنيا ولا قد الدنيا ولا الشعب المصري أعظم شعب، ولا الحضارة المصرية هي الحضارة الوحيدة، مصر مجرد دولة زيها زي أي دولة تانية بتسعى إنها تكون دولة محترمة (ديمقراطية حديثة.. قول زي ما تقول)، وإحنا شعب عادي زي بقية الشعوب وعايزين نعيش في دولة محترمة.. هو ذه الموضوع ببساطة لا أكتر ولا أقل.
حبنا للوطن عمره ما هيصلح الوطن، إنت ممكن تبقى مليان حب وإرادة وعندك صحة وقدرة وفتك وشجيع السيما، إنما علشان تكسب في سباق ١٠٠ متر، لازم تروح تدريب كل يوم لسنين طويلة قبل ما تدخل السباق، علشان تعمل عملية جراحية بسيطة لازم تذاكر سنين وسنين علشان تعرف تفتح بطن المريض. ما ينفعش تبقى فتك وجدع وابن بلد وبتكسب الشارع بتاعك كله في الجري لما عملتوا سباق في المصيف السنة اللي فاتت، وتقول: “أنا عايز أدخل بطولة”، ما ينفعش تقول: “أنا بادي حقن تراي بي لأمي بقالي كذا سنة، وممكن أعمل لك عملية البواسير في المطبخ عندنا”. علشان كده ما ينفعش إننا بالفتاكة والمفهومية والحب والإرادة نبقى عايزين مصر تخرج من المشاكل بتاعتها، والدولار يرجع تاني ستة جنيه.. (بلاش أربعة لحسن واسعة قوي يا كوتش!)، والأشيا تبقى معدن، والمواصلات فاضياااا، والشقق رخيصاااا. ده إسمه وهم.
اللي حصل في موضوع خطف الطيارة المصرية لقبرص ممكن يحصل في أي حتة في الدنيا بكل تأكيد، مش بس كده، ده اللي حصل في بروكسل من يومين أكد للعالم كله إن أي حد في أي حتة في العالم معرّض لحادث إرهابي وتأمين المنشآت عمره ما هيبقى كامل ١٠٠٪، ودايماً فيه ثغرات بيعدي منها الإرهابيين والأشقياء. بس لما تحط اللي حصل في موضوع الطيارة جنب تصفية العصابة اللي قالوا إنها قتلت طالب الجامعة الأمريكية الإيطالي ريجيني، وجنب تفجير الطيارة الروسية، وجنب جهاز الكفتة بتاع اللواء عبد العاطي، واللنضة الموفرة اللي هي المفروض هتحل مشاكل الكهرباء، وعربيات الخضار بتاعة العبور، والعاصمة الجديدة اللي هيبقى فيها أكبر ملاهي، والكهربا والغاز والمية والبنزين اللي بيغلوا، وضرايب حديد عز اللي بتنزل، والمشاريع الضخمة الاستثمارية اللي كلها في عب مؤسسة واحدة، حتى لو المؤسسة دي عتيدة ومنضبطة وصارمة وقادرة على استيعاب كل البيزنس ده، وتحط ده جنب كم هائل من المعتقلين، وكم معتبر من التعذيب، وكم “ما” من القتل في السجون والمعتقلات، وتحط ده جنب العمليات الإرهابية في شمال سينا اللي بتحصل في نفس الوقت اللي كماين الجيش في جنوب سينا بتدور على قزايز الويسكي وتدلقها علشان مافيش فواتير وترخّم على واحد وواحدة في عربية علشان مش متجوزين ومسافرين مع بعض، ولما تحط ده جنب البرلمان (اللي إحنا المفروض انتخبناه) وبيخبوه مننا لحسن نحسده!! لما تحط حادثة الطيارة اللي اتخطفت جنب كل الغموض واللبس وعدم الوضوح اللي حوالينا يبقى مصر في أزمة.. أزمة حقيقية والعالم مش متآمر ولا حاجة، العالم عايز يساعد مصر، بس لما مصر تطلب مساعدة وتعترف إن فيه مشكلة حقيقية. مصر على الجانب الآخر “المشرق” بتطرح نفسها كدولة مستقرة آمنة وكله تمام يا ريس، ومافيش مشاكل، وأم الدنيا وحتبقى قد الدنيا، مافيش تعذيب، مافيش اعتقالات، مافيش مشاكل أمنية، المطارات ميت فل وأربعتاشر، إحنا مسيطرين. لما يطلع عيل كروديا عايز يروح يشوف الولية اللي هربت منه على قبرص قوم يحط حوالين وسطه حزام طبي ويخطف طيارة بتسعين مليون دولار بطواقمها بركابها بسلاطاتها ببابا غنوجها، قوم العالم كله .. وأكرر كله (نفس العالم اللي كان حابس نفسه قدام التلفزيونات أيام الثورة في ٢٥ يناير).. يضحك وينكّت، ويتعامل مع مصر مش بالجدية اللي مصر تستحقها. لإن مصر ما اتعاملتش مع مشاكلها بجدية، وبتكابر وبتهوبص ومش قادرة تهيكل ولا تعيد صياغة العلاقات ولا قادرة تتحرك بالسرعة الكافية اللي بيتحرك بيها العالم، أو اللي العالم عايزها تتحرك بيها.
موضوع الطيارة انتهى نهاية سعيدة وكوميدية ولطيفة (كإنه فيلم سيما خفيف)، بس التداعيات اللي وراه تداعيات خطيرة:
أقلها إن روسيا مش هتفكر في المستقبل القريب إنها تستأنف الرحلات مع مصر، ناهيك عن السياحة الروسية اللي كلنا كنا منتظرينها الشهر الجاي مثلاً. يعني فيه شوية ملايين عملة صعبة مش داخلين خزينة الدولة يصبحوا على مصر
وأكبرها إن العالم كله هيراجع نفسه في مسألة الاعتراف بالنظام اللي إحنا ذات نفسياتنا نزلنا في ٣٠ يونيو علشان نجيبه يحكمنا.
المؤامرة قد تكون موجودة بنسبة ما بس المؤامرة مش ممكن هتفسر لك كل حاجة. والمؤامرة هي ببساطة إغلاق لكل سبل التفكير المنطقي والعلمي والبراجماتي، المؤامرة هي الطريق الحتمي للجنون. المؤامرة هي طريق القذافي وش.. اللي كان شايف إنه أول جماهيرية شعبية حقيقية والكتاب الأخضر والعالم الخارجي بيحسده ويتآمر عليه علشان هو ملك ملوك أفريقيا وليبيا دولة عظيمة قد الدنيا.
طاقم الطيارة اللي اتخطفت اتعامل مع الأزمة بحرفية شديدة، وده أول الخيط.. إحنا عندنا في مصر محترفين، ومهنيين، وأدمغة زي الفل، وكوادر تشيل.. عندنا بشر تعرف وتقدر تحفر قنوات وتبني سدود ومصانع وتغير وش البلد والإقليم كمان لو عايزين. بس محتاجين نعترف بادئاً ذي بدئ بالمرض، بالمشكلة، بالجهل، بالهرجلة، بالفوضى، بالحاجة إلى العلاج والمساعدة، ونبتدي ندور سوا، مين يقدر على إيه، ونخرج من دايرة المؤامرة المفرغة.. ساعتها بس هنبتدي نشتغل بحق وحقيقي، وننجز بحق وحقيقي، ونتحرك بحق وحقيقي.. اللي بيحصل في شوارع وسط البلد وكوبري قصر النيل اللي بيتدهن حلو وجميل، بس المهم مش شكل البلد من برا، المهم مصارين البلد من جوا .. عقل البلد شكله إيه. هو ده اللي العالم بيبص عليه مش على الحب والحنان والسهوكة.
تحية واجبة لطاقم طائرة مصر للطيران المختطفة، وشكراً لسارة اللي خلّت سيف يخطف الطيارة.