محمد صالح يكتب: تيران وصنافير بين الدولة واللادولة


الدولة هي مجموعة من الأفراد يشتركون في الجغرافيا/الأرض/الوطن والتاريخ والمصير المشترك والثقافة، يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم من خلال دستور يحدد شكل هذا النظام السياسي وعلاقته بمؤسسات الدولة وعلاقة مؤسسات الدولة بالمواطنين، وتشرف الدولة على الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة أفرادها وتحقيق مصالحهم.
الوطن.. الأرض.. في نهاية المطاف أفكار تعلمناها ونعلمها لأبنائنا بصرف النظر عن وجود تلك الأفكار في حصص للتربية القومية أو في أنشطة لوزارة الإعلام أو وزارة الثقافة (الإرشاد سابقاً) أو في أفلام موجهة لترسيخ مفاهيم معينة عن أحداث معينة (ثورة يوليو أو يناير على سبيل المثال لا الحصر)، لكن تلك الأفكار تتجسد وتتحدد تحريرياً في مستندات الدولة التي يفترض أن تستند إليها مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الدستور.
حينما خرج رئيس الجمهورية بتصريحه الشهير بعدم رغبته الحديث في موضوع تيران وصنافير مرة أخرى، وأنه موضوع منتهي وتم البت فيه بمنح المملكة العربية السعودية أراضي الجزيرتين، فإنه تعامل من منطلق اللادولة مخالفاً بذلك صريح الدستور المصري الذي صوت عليه الشعب المصري بالأغلبية وأقسم سيادته على احترامه والحفاظ على النظام الجمهوري وعلى سيادة وتكامل أراضي جمهورية مصر العربية، وعليه فإن التنازل -هكذا- عن شبر واحد من الأرض المصرية (حتى لو كانت حقاً تاريخياً للسعودية/للسودان/لليبيا) هو تصرف مناف للدستور.
إنه قرار الأمر الواقع: هذا ما أريد، وهذا ما سوف يتم. تماماً مثل ما حدث في تفريعة قناة السويس التي نؤكد على قيمتها واستراتيچيتها وأهميتها لمصر وللإقليم وللعالم، إلا أن ما نتساءل حوله هو الداعي لصرف بضعة مليارات إضافية من الدولارات كي ينتهي الحفر في سنة بدلاً من ثلاث سنوات. ها قد مرّت السنة، ولم تعد تلك المليارات لخزانة الدولة، ما يعني أن الشعب/الدولة خسرت تلك المليارات لمجرد “رفع معنويات الشعب المصري” على حد تعبير الرئيس في أحد حواراته.
هكذا أراد الرئيس، وهكذا كان..
صدر أمس قرار المحكمة الإدارية العليا في مصر برفض طعن الحكومة على حكم القضاء الإداري ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة مع السعودية والتي تقضي بمنح السعودية الجزيرتين، ناهيك عن أن الحكومة “المصرية” تدافع عن “سعودية” أراضي الدولة المصرية وتحاول بضراوة إثبات ملكيتها لدولة خارجية (وهو أمر شديد الغرابة والعجب!) وتطعن من أجل ذلك على حكم بطلان الاتفاقية، إلا أن الحكومة أيضاً استبقت قرار الإدارية العليا وأحالت الاتفاقية المعلقة حتى صباح أمس وبصرف النظر عن بطلانها من عدمه إلى مجلس النواب للتصويت عليه.
في نفس السياق أشار إئتلاف دعم مصر -التحالف البرلماني الأكبر داخل مجلس النواب- إلى أن “القول الفصل النهائي في هذا الموضوع في النهاية سيكون للنواب ممثلين عن الشعب”، ويعني ذلك أن الشعب ممثلاً في نوابه ربما يستغنون عن الدولة ممثلة في مؤسساتها، ويعني ذلك أيضاً أن الرئيس الذي عوّدنا على مخاطبة “المصريين” مباشرة بلا أذرع سياسية وبلا حزب وبلا مشروع سياسي محدد، من خلال أبواق إعلامية ومشاركات في برامج تلفزيونية على الهواء مباشرة، لا تعنيه وربما لن تعنيه الدولة بمؤسساتها وبتعقيداتها القانونية والبيروقراطية التي يتوسم إلغائها من خلال عدد من التلميحات التي ظهرت في مناسبات ذات علاقة مباشرة بالتهديدات الإرهابية التي ترزح تحتها الأرض المصرية، وربما قد يستند إلى رأي مجلس النواب ممثلاً عن الشعب.. الشعب يريد تطبيق اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، والرئيس يلبي طلب الشعب. تماماً كما أراد الشعب تفويض الرئيس في محاربة الإرهاب، والرئيس استجاب لنداء الشعب بالترشح و”إكمال الجميل” الذي بدأه في الثالث من يوليو ٢٠١٣.
الدولة ممثلة في محكمتها الإدارية العليا ووفقاً لتقرير هيئة مفوضي المحكمة الذي أعد بناء على طلبها أقر بأن اتفاقية الترسيم “باطلة بطلاناً مطلقاً”، لكن السؤال المطروح بعد قرار المحكمة العليا والذي سوف يعقبه رد مجلس النواب على الاتفاقية الباطلة قانوناً، ومن ثم قرار السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الدولة: هل جمهورية مصر العربية دولة أم لا دولة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top