محمد صالح يكتب: تعالى نتكلم ياباني

المشكلة الحقيقية في حاجة واحدة وحيدة مالهاش تاني:

علشان نتكلم مع بعض ياباني لازم نتفق على الحروف الياباني، وبعدين على الكلام، وبعدين على معنى الكلام. وبعدين على المفاهيم والمدلولات اللي بيحملها الكلام ومعناه. لحد ما نتفق على ده -اللي هو اسمه في الهندسة  reference يعني المرجع/المرجعية/الأرض اللي إحنا بنستند إليها علشان نعرف نتكلم- يبقى إحنا بنهوبص وبنستهبل وبنستعبط.
يعني علشان نعرف نجمع ونطرح ونضرب ونقسم، لازم نتفق كلنا إن الصفر موجود في الحتة الفلانية.. قوم لمّا نعد من الصفر، يبقى كلنا بنعدّ نفس الأرقام بنفس التسلسل، وكل الأرقام ليها معنى واحد عندنا إحنا الاتنين.
قيس على كده بقى لما تتكلم (بلغة واحدة ولتكن العربية مثلاً) عن مفاهيم زي العدل، المساواة، الحق، الحرية، الحب.. إلخ إلخ إلخ.

ويا سلام لو جيت كمان تتكلم عن مفاهيم زي الثورة، التطرف، الإرهاب، الوطنية، الإسلام الوسطي المعتدل، الشرعية.

المشكلة إننا كمصريين، وكعرب -وعلى مستوى أعلى- كبني آدمين ومواطنين في العالم، مش قادرين نتفق غير على حاجات بسيطة جداً.

المشكلة الأعمق والأصعب إننا في الشرق الأوسط لسه مش عارفين نوصل لفكرة الأرضية نفسها اللي توصلنا للحروف وبعدين الكلمات، وبعدين مفاهيم الكلمات.. يعني مثلاً: حضرتك كمواطن شريف لسه أساساً ما وصلتش مع زميلك المواطن الشريف أيضاً إنكم تتفقوا مثلاً إن الشارع ده اتجاهه رايح ولا جاي.. المواطن المصري الشريف العادي جداً عنده استعداد إنه يمشي عكس السير عادي جداً، ويكسر الإشارة وكافة قواعد المرور المعروفة وغير المعروفة وشايف إن ده حق من حقوقه، وجزء من حريته غير المنقوصة اللي أخيراً والحمدلله حصل عليها في الثورة، وجزء لا يتجزء من صراعه “الثوري أحياناً” مع الحكومة/الداخلية/الدولة.. المواطن المصري الشريف العادي جداً عنده استعداد إنه يرمي بأريحية وكل سرور منديل كلينيكس من شباك العربية البي إم دبليو على أساس إن الشارع ده حاجة وسخة مش بتاعته، ولا ملكه، دي حاجة \”بتاعتهم همه\” (همه مين بقى؟ دي ترجع لموقعك من الإعراب: الإخوان/الجيش/الحكومة/الفلول/مبارك/مرسي/السيسي/خالتي فاطمة).

إحنا مش عارفين نتفق على معنى الوطن، ولا على معنى المواطنة، ولا معنى الدولة الديمقراطية الحديثة، ولا الطريق ليها عامل إزاي ولا في أنهو اتجاه.
بنفس الكيفية وعلى نحو أعمق وأعنف، وعلى طريق دموي لا نهاية له، تلاقي الفصايل والألوية والجبهات في سوريا على سبيل المثال لا الحصر (وده يحسب نجاح للأسد في إدارته للصراع والتعامل مع جمهور المواطنين كفئران تجارب مش أكتر).. كل واحد يحوز حقيقة معينة، وعنده استعداد يبعت أفراده وعياله ويضحي بمواطنين آمنين في سبيل هذه الحقيقة، في نفس الوقت اللي ماحدش أصلاً اتفق ولا عارف الحقيقة دي عبارة عن إيه، والأسد قاعد ومتبغدد وبيتفرج، وبيفرّج العالم على عمايله بالتدخل في سوريا لصالح المعارضة! (اللي هي في واقع الأمر عمايل الأسد وأبوه ذات نفسهم! من مركزية للحكم، وغياب خطط تنموية شاملة، وفساد مؤسسي، ومرواغات سياسية لا تنتهي، وابتزاز بالصراع العربي الإسرائيلي).

المشكلة الحقيقية مش في إننا بس مش عارفين نتفق على معنى الكلام، ده إحنا لسه حتى مش واصلين لحقيقة إزاي نوصل لإننا نتكلم، يعني فكرة الحروف، والأبجدية، والكلام، وبعدين معناه، وبعدين مفهومه ودلالاته.. دي فكرة لسه بعيدة عننا.

إحنا واقعياً واقفين في سوق كبير، بنتكلم فيه لغات مختلفة، وماحدش فاهم التاني، وكل واحد بيعلي صوته أكتر، وبيقتل أكتر علشان صوته هو بس اللي يفضل ويلعلع، ومتخيل إنه بكده هيكتم الصوت التاني، ومش قادر يفهم إن فيه فرق ما بين الصوت وحجمه وعلوه وقدرته على الهيمنة، وبين الحروف والأبجدية والكلام والمعاني والفلسفة والقدرة على الحوار اللي في الآخر ممكن توصل لحلول، ولتوازنات، ولدولة (أي دولة والسلام حتى مش شرط ديمقراطية حديثة!)، ولأمة قادرة إنها ترسم حدود هويتها.

تعالى يا منعم نتكلم ياباني أسهل!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top