لازالت فكرة الدولة الإسلامية التي بشّر بها حسن البنا وسيد قطب، وجاء لتطبيقها بعد عقود البلتاجي والعريان والكتاتني ومرسي تحيا بيننا وتتمدد وتنتشر انتشار النار في الهشيم، فالدولة الإسلامية فكرة، وداعش فكرة، والقاعدة فكرة، وبن لادن والزرقاوي والبغدادي أفكار، وليسوا أشخاصا. والأفكار لا تموت.. إنها أفكار تعيش داخلنا وحولنا وبنا.. أفكار نراها في كل نقاب، وفي كل رد على “صباح الخير/الفل/الورد” بـ “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته”، مع نظرة تأنيب واستنكار لتحية الصباح المصرية غير الإسلامية.. نراها في كل ملصق إسلامي داخل وزارة العدل وسط ميدان لاظوغلي في قلب القاهرة.
إن الدولة الإسلامية تصارع الدولة المدنية داخل مؤسسات الدولة المصرية، في كافة الوزارات وعلى كافة المستويات..الصلاة في أماكن العمل، رفع الآذان وتوقف العمل رسميا أثناء الصلوات، افتراش الشوارع وإغلاقها لأداء صلاة الجمعة في عرض الشارع العام، استخدام الإذاعة الداخلية لمرفق مترو القاهرة في إذاعة الآذان، إقامة زوايا صغيرة داخل كل محطة مترو أنفاق بغرض الصلاة.. حكم محكمة جنح بولاق أبو العلا بحبس الكاتب الصحفي أحمد ناجي عامين في قضية خدش الحياء العام لنشره فصلا من روايته “استخدام الحياة” في عدد جريدة أخبار الأدب.
لقد استقر في ضمير القاضي في خضم دفاعه عن المصلحة العامة للشعب المصري أن أفكار أحمد ناجي وكلماته النابية أخطر على المجتمع من كل الظواهر سالفة الذكر، لقد رأى قاضي الاستئناف أن أحمد ناجي أخطر علينا من الوهابية، أو قل أنه دافع عن الوهابية من “إنفلات” أحمد ناجي. دعونا نعترف أن الإخوان لازالوا يحكمون بلا رتوش أو تجميل، الوهابية تحكم.. السوس الذي ينخر في عظام الأمة المصرية يحكمنا ويحكم بيننا على وجه القطع، أرى هذا هو الخطر الحقيقي، أرى تلك هي الحاضنة الأساسية للإرهاب في الشيخ زويد والعريش وكرداسة وعين شمس والمطرية وغيرها من معاقل الوهابية/السلفية/السلفية الجهادية/داعش/الإخوان.. سمها ما شئت، كلها تؤدي إلى نفس النتيجة.
ينص الدستور المصري على أن حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.
لماذا إذن يخرج علينا ممثل الدفاع عن مصلحة الشعب ليدافع عن أخلاق الشعب لا مصلحته، وعن ثوابت الدولة الدينية اقتباساً من القرآن دون القانون، ومن الحديث النبوي دون الدستور.. ألا تكفل الدولة حرية الاعتقاد؟ أليس المواطنون في الدستور المصري متساوين في الحقوق والحريات والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي أو لأي سبب آخر.. أليس التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون؟ لماذا إذن يخرج علينا القاضي مرتدياً عباءة داعش؟
ينص الدستور المصري في مستهل ديباجته على أن مصر العربية بعبقرية موقعها وتاريخها قلب العالم كله، فهي ملتقى حضاراته وثقافاته، ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته، وهي رأس أفريقيا المطل على المتوسط، ومصب أعظم أنهارها: النيل.
أليست تلك هي مصر التي نسعى إليها بعد ثورتين؟
إن القضبان لن تؤسس لأخلاق المجتمع.
وسجن الإبداع لن يبني الدولة الديمقراطية الحديثة.
الكلمة.. تقهر الظلام والجهل والتخلف.
مجتمع الأخلاق يبنيه العدل والمساواة والحكم الرشيد.
مجتمع الأخلاق يعرف الفرق بين الرصاصة والكلمة، وبين الجريمة والفكرة.
مجتمع الأخلاق يحمي مواطنيه من الجرائم، لا من الأفكار.
الأفكار تتفاعل وتتصارع وتختلف كي تؤسس لمجتمع صحي يلتف حول أفكار تشبهه.
المجتمع المصري متنوع وغني يشبع في تنوعه وغناه جغرافيا مصر. واختصار المجتمع المصري في الأخلاق الحميدة الموجودة في كتاب المطالعة، يشبه فكرة الإخوان عن اختصار الدولة والشعب والمجتمع في تنظيم الإخوان المسلمين.
مصر أوسع من الإخوان، كما هي أوسع بكثير ممن يظنون أنهم “يدافعون” عنها بحبس كاتب صحفي.
يُنشر هذا المحتوى في إطار حملة مشتركة بين مواقع \”زائد 18\”، و\”مدى مصر\”، و\”قل\”،و \”زحمة\”. للتضامن مع الروائي أحمد ناجي.