محمد شحم يكتب: تحويل الأصنام لآلهة

عبد قومه الأصنام وأجلوا النار، كاد أن يعبد القمر ليلا والشمس صباحا، وأقسم على الله أن يريه طريق الصواب أو سيكون من الخاسرين.

ومن يمكنه أن يصدق أن كل تلك اﻵلهة محض هراء ومجرد حجارة، وهي تحقق اﻷماني بالقرابين؟

ومن كان يرضخ ﻷن تزول تجارته وأعماله الرابحة الرائجة من صناعة التماثيل وبيعها للعبادة؟
من كان يصدق أن هناك ما هو أكبر من الشمس وأقسى وأعظم وأضخم؟

ومن كان يؤمن بأن ابن أكبر صانع آلهة سوف يكفر بكل آلهة أبيه وأهله ويحطمها دون كبيرهم، ليسألونه عن الجاني؟

إبراهيم عليه صلوات الله وسلامه هو الوحيد الذي أصابه هذا الشطط حين قرر فعل واحد يكرهه الجميع دون إستثناء.. قرر أن يغرد خارج السرب ويشطح خارج القطيع ويقفز خارج الصندوق المقولب.. قرر فقط أن يفكر.

إن كان أبو اﻷنبياء وأولهم قرر أن يفكر، والتفكير أوصله إلى الرب في عليائه، يصبح لزاما علينا أن نفكر ونحتسب التفكير فرض عين دون جدال أو سفسطة، ويمسي كل من يمنع التفكير الذي يقود لنقاش قد يثمر عن اكتشاف جديد، هو شخص آثم ثابت جامد كـ آل إبراهيم وقومه.

إن التفكير في الدين والنبش في ثوابته بغية اكتشاف الحق من الباطل والمقال من الدسيس والمؤكد من المزعوم والحديث الصحيح من الموضوع والمنطقي من غير العقلاني، هو في حقيقته حب في الله ومحاولة حثيثة للوصول إلى ماهية الدين ولبه.

وليس على المؤمن حرج أن يفكر ويطرح المبحث ويناقش ويجادل في قلب الدين حتى يصل.

التفكير ليس دعوة لهدم الثوابت، فكم من ثابت أمسى مزعزعا؟ وكم من حديث وجدناه دخيلا؟ وكم من مقولة فولكلورية تجدها تجافي العقل والمنطق وترقى للميثولوجيا، ولا تصح إلا أن توضع كقانون بشري لا يصلح سوى لزمان ما أو مكان ما؟

لقد اكتشف أغلب اﻷنبياء والصالحين ربهم وكشف جل في علاه السر لهم حين اختلوا بأنفسهم في كهف أو غار أو جبل، ليفكروا دون شوشرة أو منغصات.

أغلب اﻷنبياء اكتشفوا الله حين تركوا القطيع وذهبوا لقدرهم المحتوم الذي هداهم إليه تفكيرهم، ورفضهم لثوابت قومهم وآلهم.

قطعا لن نكتشف إلها جديدا، ولن يهبط علينا وحي من السماء. لكن سمة الحكماء في التفكير. سمة الحكماء واﻷنبياء في اعتزال الثوابت والبحث في الكون لسبر أغواره العتيقة.

مهما علمت، فإنك لم تؤت من العلم إلا أقله، ومهما وصلت ﻷطروحة فكر، فلن تصل في الفكر ﻷجله.

لكنك مطالب بأن تفكر في كل حديث، بل كل سورة وكل سفر، بل كل إصحاح وكل آية.. أنت مطالب بهذا كـ سنة عن اﻷنبياء جميعا، إن كنت تريد اﻹيمان الحق.

فقط إتسم بحسن المعاملة ورقي الخلق وطول النفس وكثرة التفنيد والقراءة كما أُمرت أن تفعل في أولى أوامر الخالق العظيم.. أن اقرأ.

الوقوف عند حدود الثوابت كالوقوف على صنم.. إنك تحول فكر اﻷولين السابقين ﻷصنام تعبدها وديانات تتبعها وموروثات ترثها ونواميس تسير عليها ومسلمات نظرية فقط، ولن تفرق كثيرا عن ابن نوح أو زوجة لوط أو أبي إبراهيم في أزمانهم.

حلق ورفرف واشطح، ثم عد.. ابتعد واقرأ وفكر، ثم ناقش.. دعك ممن يصدك ويكفرك ويخرجك من الملة، لتصل إلى طريق الهدى، فالدين ليس علما له متخصصين وفقهاء وربانيين اليوم، ولا واصل بينك والله من بشر سواك، انتهت عصور الكهنوت إلى غير رجعة في الدنيا فقامت، وانتهت صكوك الغفران وزمانها، وأصبحت أنت الوسيلة المباشرة بين نفسك وربك، لن يجازى عنك أحد من السلف.

ولكي تحول الصنم ﻹله -حقا- تعبده، فليس عليك فقط أن تكتفي بسؤاله عمن حطم تلك اﻵلهة، ولكن عليك أيضا أن تنتزع منه اﻹجابات، ولو كان مصيرك النار كإبراهيم.

وعليك أن تتأكد وتؤمن أن تلك النار سوف تكون بردا وسلاما، وسوف تصل حتما إلى الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top