يبدو أنها سنوات طوال مرت وهو يحلم بتحقيق مناه الذي استمد طاقته لتحقيقه من بضعة أحلام رواها في أحاديث خاصة وسمعها القاصي والداني.. وما إن جاءه الحلم متجسدا – سواء سعى له أو مثُل أمامه – حتى أشاح بوجهه عنه تكبرا وصلفا، لم ينتهز فرصة محبة الناس الذين ارتموا في أحضانه بالتفويض حين خلصهم من كابوس اﻹخوان الذي بلاهم به المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي.. بل أكد مرار وتكرارا أنه لا يطمع في حكم على عكس أحلام رواها، حتى بلغ سدة الحكم واستقر على العرش.. لكن أي إستقرار هذا الذي لا يستند فيه الحاكم إلى دعائم اﻹعانة على سقف الإبتلاء.. الناس!
لقد استند الجنرال إلى ثلاث هيئات في الدولة ومؤسساتها، تلك التي لا يمكن أن تعينه على بلواه.. استند إلى القضاء والداخلية والجيش، وأهمل المعين الحقيقي والسند اﻷصيل.. الشعب.
رغم أن ذلك الشعب قد تجاوز لاحقا عن لهو الحديث الذي يرتقي لمرتبة الكذب بعدم الترشح وعدم الطمع في منصب أو جاه، والإصرار على عدم توريط الجيش في السياسة.. والذي عولج لاحقا بالاستقالة من المنصب العسكري، وتجاوز عن وعوده باازدهار والانتعاش والرخاء المنهمر متمثلة في مؤتمر إقتصادي اُلقي فيه لنا ببضع مليارات لا تسد رمق أصغر محافظات مصر، والتي هي بالمناسبة العاصمة ذاتها، وبضع مشاريع قومية رنانة العنوان كـ “قناة السويس الجديدة“، والتي هي مجرد تفريعة من أربعة لم تثمر جديدا.. وقبلهما مشروع “كفتة الإيدز“ التي ستجعل مصر منتجعا طبيا وغرفة إنعاش للعالم، ووعود بالانتعاش الاجتماعي والهيكلة الإدارية متمثلة في المليون وحدة سكنية التي تم افتتاحها على السجادة الحمراء الشهيرة ومشروع الخمسين ألف مصنع، والعاصمة الإدارية الجديدة، كما تجاوز الشعب عن نقض اﻷمانة مؤخرا بالتفريط في فلذة من كبد مصر وقطعة جد مهمة من قلبها الذي يجاور شرم الشيخ من عند الشريان الثاني لأحد أجمل بحار العالم.. جزيرتي تيران وصنافير.
يُحكى أن آيات المنافق ثلاثة بلا شك كما صرح الله على لسان مبعوثه الكريم الذي لا ينطق عن الهوى.. كذب، إخلاف وعد، وخيانة أمانة.. ثلاثة من الكبائر المبشرة بعذاب مخيف.. ومن اقترف الثلاثة هو منافق حقيقي.. بغض النظر عن تورطه في هدير الدماء الساري في نهر ممتد منذ آلاف السنين الذي بنى على ضفتيه هرما من القتلى، وأحاطه بسياج خفي من المساجين، وجمع حوله المختفين قسرا في زمن لا يخفى فيه شيء أبدا.
وبغض النظر عن تشويه سمعة المحروسة المحصنة وقذفها بأبشع التشنيعات على مرأى من الكون الفسيح والعالم يتهكم.. هل ركب النظام الحمق لهذا المدى البعيد؟ّ! هل هو براق يسري بنا ليلا ونهارا إلى حتفنا بتلك البساطة؟
عجيب أمر من يسعى لحلم، وما أن يأتيه حتى يأسره ويعذبه، ثم يسجنه ويحكم عليه بعد همسة في أذن القاضي باﻹعدام! ومن ذا الذي يخلف موعد أحلامه سوى شخص غير مؤهل قطعا لتحقيق أحلام الآخرين!
الآخرون الذين من المفترض أن يكونوا دعامات تحقيق هذا الحلم.. ويبدو أنهم سيكونوا دعامات تقويمه.