كلنا اتفجعنا بصور المهاجرين السوريين اليومين اللي فاتوا، خصوصا بعد تفاقم المأساة وغرق الألاف منهم.
الصورة الأكثر تأثيرا هي صورة الطفل الكردي إيلان اللي غرق هو وأخوه وأمه وأبوه الوحيد اللي نجا.
عارف إن الصور أثرت في كل الناس وحتى في الناس اللي ماكانتش مهتمة بالموضوع أصلا ولا تعرف عنه حاجة.
عارف كمان إن أكتر الناس اللي تأثرت بالموضوع ده، هم الناس اللي عندهم أولاد في سن إيلان زيي أنا وأغلب أصدقائي.
إمبارح بعد ما شفت صورة الطفل اللي غرق، وروّحت فضلت العب مع ابني اللي عنده سنتين طول الوقت.. دي أكتر مرة لعبت معاه فيها.. وطول الوقت مركز في وشه جدا.. كان يوم صعب عليا وعلى مراتي، اللي أول ما ابني نام، فضلت تبكي طول الليل وتقولي لازم نشوف طريقة نساعدهم بيها بأي حاجة.
في نفس الوقت كتير من الناس بدأت تدعوا إننا مانشيرش صور زي دي على الشبكات الاجتماعية، لأنها يا إما فيها عدم احترام للضحايا، أو بتقتل فينا البراءة من المناظر دي، وبتخلينا متعودين على المناطر دي.
خلينا نبتدي بموضوع الاحترام:
احترام الضحية بالنسبة لي هو العمل بأي شكل على عدم تكرار تجربته لأي شخص تاني، وفي الوقت اللي إحنا فيه، هي دي الطريقة الوحيدة اللي ممكن تجيّش بيها رأي عام دولي هو الشبكات الاجتماعية، وهديك مثال بتجربة شخصية:
في ٢٠٠٦ لما نشرت فيديو عماد الكبير، كان معلومات الناس عن اللي بيحصل في الأقسام قليلة جدا.. كانت كل الناس عارفة إنك بتخش القسم \”تتعلق\”، وييجي ضاحكين بعديها.. ماكانش حد عارف يعني إيه بالظبط الكلمة دي، وإيه اللي بيحصل جوه.. كان فيه قصص مرعبة كتير، بس في آخر اليوم هي قصص بتتحكى بقصد الاستمتاع بغرابتها.. ماحدش شاف إيه اللي بيحصل جوه فعلا، وكان فيه كام فيديو لكام أمين وهم بيضربوا متهمين بالاقلام.. بس ده كان عادي، لأن الشرطة كانت بتعمل ده قدام الناس في الشارع.. ماحدش شاف تعذيب مهين ووسخ بالدرجة دي بعينه قبل كده، لحد ما الفيديو ده اتنشر.
نشر الفيديو على الشبكات الاجتماعية جاب حق عماد وحبس الظابط والأمين المشتركين في الفيديو.. عماد قبليها قضى سنة كاملة يلف بالفيديو على الناس والمسؤولين وماجبش نتيجة إلا نشر الفيديو على الإنترنت.. الفيديو ده بدأ حملة \”لا للتعذيب\” في مصر، اللي وعت الناس لمشكلة قضايا تعذيب الشرطة للمواطنين، واللي كانت السبب الرئيسي في إنشاء صفحة خالد سعيد، اللي الشرطة قتلته، وكانت برضه المقارنة بين صورته وهو عايش وصورته بعد ما مات من التعذيب هي السبب في كل الفوران اللي حصل للشباب في الفترة دي, وتمت الدعوة لثورة ٢٥ يناير من خلالها.
مراتي مثلا ماكانتش متابعة مشكلة اللاجئين.. ممكن بسبب إنها مش عربية، والأمريكان –عادة- مش مهتمين بماذا يحدث في الطرف الآخر من البحيرة، بس صور الغرقى دول خلت واحدة في آحر الدنيا تهتم.
النهاردة وصلت الشغل الصبح، لقيت إيميل مبعوت لكل الناس، فيه لينكات لكل الأماكن اللي الناس ممكن تتطوع فيها أو تتبرع ليها، علشان يساعدوا الناس دول اللي في الطرف الآخر من الكرة الأرضية.
أما موضوع أن الصور دي بتعودنا على المناظر دي، فيمكن يكون جزء منها صحيح.. بس مش قوي.. أنا مثلا بشتغل بقالي ييجي ١٠ سنين مع مواد بصرية زي دي.. من ساعة ما ابتديت في قضايا تعذيب الشرطة لغاية شغلي دلوقتي كامتخصص في التعامل مع المواد البصرية اللي بتنتجها الحركات الارهابية العربية على الشبكات الاجتماعية.. أنا عارف إن صور القتل والدبح مابقتش بتحرك فيا أي حاجة.. بس صور الأطفال في غزة لما اتقتلوا وهم بيلعبوا كورة خلتني وخلت كل الفريق بتاعي في الشغل نبكي.. صور الأطفال الغرقى وصور العائلات اللي الشرطة بتقبض عليهم وهم بيحاولوا ينجدوا نفسهم، فايقوموا يرموا نفسهم على شريط القطر علشان الشرطة ماتخدهومش برضه خلتني ابكي.
الصورة بالنسبة لي دلوقتي هي أكبر سلاح لتجميع الناس ورا قضية.. الصورة مهمة زي ما حقوق الناس دي مهمة.. الصورة بتعرفك وتأكدلك المعلومة.. العالم ده فضل ملايين السنين عايش على الحكايات وبس.. ماحدش كان عارف حاجة لدرجة التأكد من اللي بتتحكي، والعالم قبل الكاميرا وبعد الكاميرا مكانين محتلفين تماما.
بس الأهم من ده كله، إننا بقى لنا سنين وسنين بنشوف صور، واللي ماكانش بيعرف دلوقتي بقى بيعرف، وكل الناس ماشية بموبايلات في ثانية ممكن يعرفوا الحقيقة، فـ لو بعد كل ده مش المفروض لسه نستنى نشوف مآسي جديدة.. مأساة واحدة كفاية إن العالم يفضل يحارب علشان ماتتكررش في المستقبل، يا إما فعلا –ساعتها- لو ماعملناش حاجة بعد ما شوفنا الحقيقة بعنينا، يبقى إحنا ماحترمناش الضحايا.
الصورة يقين.. والحقيقة ملك الجميع.