محمد حسين يكتب: صياعة الحلم المصري العظيم

من سنة، شاركت في حلقة نقاشية عن تمويل مشروع حفر تفريعة القناة، كان معانا خبير تمويل شرح الإجراءات اللي عملتها الدولة عشان تنجح الاكتتاب، ومنها تعطيش السوق في الفترة اللي قبل الاكتتاب بحيث إنه المؤسسات اللي عندها سيولة تندفع في الشراء.. يومها (بصراحة) كلنا استصيعنا الحركة، لإنها في الآخر مش مضرة، وحققت الهدف.

في نهاية النقاش، كنا متخوفين إن نجاح الاكتتاب يبقى مغري للدولة إنها تكرره تاني، لإن ده كده بيهدد مستويات السيولة اللي عند البنوك، وكانت الفكرة الأولانية إن الاكتتاب جذب 27 مليار جنيه من خارج ودائع البنوك، يعني فلوس كانت تحت البلاطة وطلعت، وبالتأكيد ده برضه إنجاز كويس، لكن الحقيقة ماحدش عنده تصور لحجم الفلوس اللي تحت البلاطة دي قد إيه عند الناس، وبالتالي من المخاطرة إنك تعتمد على ده تاني.

لكن أي اكتتاب بيسحب من السيولة اللي عند البنوك، يعني الفلوس اللي البنوك بتقرضها للمستثمرين، وبالتالي ده ممكن يضغط على نشاط السوق، خصوصا إن البنوك أصلا مبسوطة من الاستثمار في إقراض الحكومة لإنه استثمار منعدم المخاطر بالنسبة لها.. ثم كانت المفاجأة اللي عرفناها (لإن معظمنا مش اقتصاديين محترفين طبعا)، إن اللي بنسميه سيولة ده مش سيولة أصلا، لإنه جزء كبير من استثمارات البنوك في أصول غير قابلة لتحويلها إلى سيولة، إما بسبب قواعد خاصة بالأصول نفسها، أو لإن الاستثمار أصلا بتحكمه قرارات سيادية، زي إن البنوك الحكومية تشتري أسهم في شركات قطاع عام ذات أهمية استراتيجية.. وساعتها وصلنا لإن دي مخاطرة أكيدة، وإن اللي بيديروا الاقتصاد مدركين خطورتها.

………..

النهارده \”الوطن\” نشرت إن السيسي هيكشف عن تفاصيل \”الحلم المصري العظيم\”، سيبك من الاسم اللي فيه رائحة قذافية واضحة، \”الوطن\” بتقول إنه من أساليب تمويل المشروع هو الاكتتاب الشعبي.. تانييييييي!

طيب ممكن نفكر إنه مش مشكلة نقلل السيولة اللي قدام القطاع الخاص والأفراد للاقتراض، يعني لو الحلم العظيم ده بيعمل نشاط اقتصادي، فده ممكن يكون أفضل من استثمارات القطاع الخاص.. بس الحقيقة، وبعد سنة من حفر تفريعة لسه مش عارفين هتجيب فلوس منين، ماحدش قال خالص إنه حس بتحسن اقتصادي، لا مواطنين ولا مستثمرين، أصلا معظم تكلفة الحفر راحت في تعويضات للجيش ولنزع ملكية أراضي كانت في مسار الحفر، وكمان هيئة قناة السويس اقترضت بالدولار عشان تعمل إنجاز كبير في الحفر وتبقى فيه قناة جديدة واحتفالات وكده.

……….

ماشي.. خبراء الاقتصاد ممكن يكونوا قرروا يخوضوا المخاطرة بالبلد كلها، أو قرروا يسكتوا ويسمعوا الأوامر وينفذوها كما هو مطلوب وخلاص (وهو ده اللي حصل في خطط موازنة السنة دي واللي قبلها، الأولانية طلعت بعجز فوق المطلوب، والتانية ماشية في نفس السكة)، واعتقد إنه مفيش مخاطرة بالنسبة لهم، في حال الفشل.. كل واحد منهم معتمد على إن النظام القوي مش هيبيع رجالته، واللي مش مطمن، فهو حاطط باسبوره تحت المخدة.

اللي بيحصل ده، وفي وصف متحفظ، هو تجربة اجتماعية خطرة، وسبب خطورتها مش اقتصادي، لكن لإن اللي بيجربوا عندهم استعداد للاستمرار في العك، لدرجة دموية كمان، لكن المهم – بالنسبة لهم- مايتقالش عليهم غلطانين أو يتحملوا نتيجة أخطائهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top