محمد حسين يكتب: حكايات من أرض الخمسة مساجد

 

في المربع السكني الذي أعيش به هناك 4 مساجد، وهو شيء مربك أحيانا عندما أضطر لسماع خطبتي جمعة أو أكثر على التوازي، لكن هذا أيضا جعلني أدرك ظواهر التنوع في علاقتنا ببيوت الله، وأن مظاهر التنوع لا تعتمد على الدين، بقدر اعتمادها على أنواع البشر واحتياجاتهم.

ودائرة احتكاكي بالمساجد تسع ما هو أكثر من مربعي السكني، لهذا سأحكي قصص أهم 5 مساجد في منطقتي، أو أنا أعتبرها كذلك.

مسجد السرور:

أوسع من زاوية وأضيق من مسجد بمعناه التقليدي.. دخلت هذا المسجد لأول مرة لكي أجري تحقيقا صحافيا مع شخص سلفي عادي، ولم أعرف أنني سأسكن على بعد أمتار منه.. في عصره الذهبي كان ملتقى لكبار مشايخ السلفية في القاهرة، وكان المصليون يملأون المسجد وشارعه الضيق ويفيضون في شوارع أخرى، في إبراز عضلات واضح أمام المسجد التابع للإخوان بنفس الشارع، ثم فجأة، وبدون مبرر، اختفى كل هذا، وتحول لمسجد عادي يكافح من أجل إقامة كل الصلوات، وتدهور حاله بعد الثورة لدرجة أن الإمام الشاب كان ينهي صلاة العشاء، ثم ينتقل هو وبعض المصلين لمسجد الإخوان من أجل صلاة التراويح.

مسجد عبد المقصود:

أطال الإمام قليلا في الخطبة التي تتوسط صلاة التراويح، فبدأنا نسمع موجات تذمر متصاعدة من الصف الخلفي، حيث كبار السن الذين يصلون على مقاعد، ثم انتقل التذمر للمصلين المتعجلين في الصفوف الأمامية، ومعظمهم من باعة الفاكهة الذين تركوا بضاعتهم في الشارع من أجل الصلاة. يغادر هؤلاء غاضبين وتكاد الصلاة تتحول لمعركة، ثم يقتنع الإمام وينجز فيما تبقى من ركعات.

عرفت فيما بعد أن ما حدث كان مرتبا من هؤلاء القاعدين لمنع هذا الإمام تحديدا من العودة للمسجد، ولاحظت أنهم القوة المحركة بالمسجد، يمكنهم تأخير الصلاة أيضا إكراما لرفيق تأخر، وهم يتحكمون بالجمعية التي تدير المسجد، ويضعون إيقاعا واضحا للصلاة فيه بحيث يسبق باقي المساجد الأخرى في الإقامة، وأن تكون الصلاة به هي الأسرع، خصوصا في الجمعة والتراويح، مع طموح غير مفهوم من أجل تنظيم صلاة العيد، حتى لو كانت مساحة المسجد لا تسمح بهذا.

مجموعة المقاعد هذه تكاد تكون موجودة في كل المساجد التي تديرها جمعيات.. موظفون على المعاش هم، لكن في منطقتنا وكأنهم قرروا التجمع في هذا المسجد تحديدا لممارسة آخر مظاهر السلطة الممكنة.

مسجد نهاد صبري:

حتى قامت الثورة.. لم أكن أعرف أنه مركز تجمع الإخوان في منطقتنا، بسبب التكوين الاجتماعي للمنطقة، فلم يكن للإخوان فرصة لدينا، ولهذا كانوا بحاجة لهذا التمركز.. المسجد نفسه أنشأته عائلة ثرية في السبعينيات، وهو أكثر اتساعا من المسجدين السابقين، وبالتأكيد أكثر نشاطا في الناحيتين الدينية والاجتماعية، والأكثر جذبا للشباب، وفي صلاة التراويح لم تكن تجد مكانا به، وفي صلاة الجمعة يمتلئ المسجد وقاعة المناسبات الملحقة به والشارع وأي مكان يمكن الوقوف به.

بالتدريج تسربت السياسة.. في البداية أعلن المسجد عن ندوة للتوعية بأهمية الموافقة على الدستور في استفتاء مارس 2011، ثم لم تقام الندوة لسبب ما، وفي العام التالي امتدت خطبة التراويح لنقد أداء الإعلاميين، وفي الجمعة السابقة لجولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، كان المصلون متحفزين للإمام وكادوا يتعاركون بعد الصلاة.. حدث هذا رغم أن قيادات الجماعة قررت التخلي عنه والتركيز في الاستيلاء على المسجد الأقدم بالمنطقة.

بعد 30 يونيو حلت عليه الكآبة بالتدريج، قُتل أحد شباب المسجد في اعتصام رابعة، ولم يكن أهل المنطقة متعاطفين مع هذا.. اختفى الشباب الذين كانوا يقومون بتحفيظ القرآن للأطفال.. هم هاربون أو معتقلون الآن.. ذهب خطيب الجمعة المتعاطف مع الإخوان وحل مكانه خطيب الأوقاف العتيد.. أصبحت صلاة العيد مرتبكة ومزعجة، وصلاة التراويح أزمة بسبب عدم كفاية الإمام الرسمي، فصرنا نؤديها بسرعة وتعجل.

 

مسجد العزيز بالله:

أقيم المسجد على بعد عدة مئات من الأمتار جنوب كنيسة العذراء، ردا على الزخم القبطي الذي صاحب ظهور العذراء فوق قبة الكنيسة.. تأسس المسجد على يد الداعية محمد جميل غازي المقرب من جمعية أنصار السنة المحمدية، وتحول منذ أواخر السبعينيات إلى أحد أهم معاقل السلفيين في القاهرة، ومع مرور الوقت، صارت شاحنات الأمن المركزي جزء من معالم المنطقة.

تم بناء المسجد في قلب الكتلة السكانية القبطية بالمنطقة، لذلك لم تكن قطعة الأرض التي بني عليها مناسبة، وتم توليف المبنى نفسه عليها رغم أن أبعاده مزعجة.. المساجد عادة مرتبطة باتجاه القبلة، ويُفضل في المساجد الكبيرة أن يتناسب طول وعرض المسجد، بحيث يكون عدد وطول صفوف المصلين متناسبا، ويمكنهم التواصل مع الإمام بسهولة، لكن في هذا المسجد الصفوف قليلة جدا، وطويلة جدا.

رغم هذا تظل صلاة التراويح والعيد هناك أسطورية بمعنى الكلمة.. التراويح بجزئين كاملين، وبالطبع لا يوجد مكان بالمسجد، لكن كثيرين يحبون الصلاة في الأرض الفضاء التي يتيح مالكها استخدامها للمصلين في رمضان، وفي العيد يكون العدد بعشرات الآلاف.

وبالطبع كانت السياسة حاضرة من البداية، ولم يتوقف المسجد يوما عن تناول السياسة، سواء من خلال الخطباء أو بالأنشطة نفسها، وحتى وقت قريب كانت المظاهرات تنطلق منه في كل جمعة، حتى تحولت الشوارع المحيطة إلى ساحة قتل مستمر، فخفتت المظاهرات ثم انتهت تماما.

مسجد الشفاء:

في كل حي هناك قلب قديم، هو الأكثر محافظة وفقرا، والأعمق فسادا أيضا.. كنت أحب المسجد عندما كان الأقدم في منطقتنا، وتقريبا كل عائلتي تصلي به، لكن يبدو لي دائما أنه يحمل شيئا فاسدا وأنانيا، فعندما كنت طفلا تقرر إجراء تحديثات في معمار المسجد، وتلخصت هذه التحديثات في ضم الرصيف المجاور، من أجل بناء سلم خارجي يؤدي لمصلى السيدات، ووضع سور معدني على ما تبقى من الرصيف لمنع أي أحد من المشي عليه، ثم أجريت تحديثات تالية قضت على ما تبقى من معالمه القديمة، وحاليا لاتزال مئذنته الجديدة بخرسانتها العارية، رغم الملايين التي أنفقت عليه.. أجده أشبه بمساجد الأرياف.

إنه مسجد يتبع السلطة أيا كان نوعها.. كان الخطيب يحافظ على توجيهات الوزارة بكل دقة قبل الثورة، وفي 2012 كان يعلن بفخر في صلاة العيد عن الهدايا التي يقدمها حزب الحرية والعدالة، حتى عاد المسجد مرة أخرى لخطه القديم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top