محمد حسين خالد يكتب: علاء الأسواني.. ومن الكلمات ما يطرح ثورة

 

هو واحد من أبرز أصوات الأدب في مصر والعالم العربي، ولن أبالغ إن قلت في العالم أجمع، ومن أكثر الكُتّاب قراءة، تُرجمت أعماله لأكثر من عشرين لغة، هو أيضا الناشط السياسي العتيد، وواحد من أقوى وأقدم أعداء نظام المخلوع حسني مبارك، هو كاتب المقالات السياسية التي ترتعد منها أنظمة الحكم في مصر، والتي كان ينتظرها عشرات الآلاف من القراء أسبوعيا أيام المخلوع مبارك، والتي زلزلت كلا من المجلس العسكري والإخوان ومن حكمونا بعد 30 يونيو، وإلى الآن تشكل مقالاته وأراؤه مصدر قلق لأنظمة الحكم القمعية في مصر والوطن العربي.

هو طبيب الأسنان والأديب المصري \”علاء الأسواني\” المولود في العام ١٩٥٧، أتم دراسته الثانوية في \”الليسيه الفرنسية\”، وحصل على شهادة الماجستير في طب الأسنان من جامعة إلينوي بـ \”شيكاجو\” بالولايات المتحدة الامريكية، نال العديد من الجوائز العالمية، أهمها جائزة برونو كرايسكي، التي فاز بها المناضل الأفريقي \”نيلسون مانديلا\”، وهو أول مصري عربي يحصل على هذه الجائزة.

وهو أيضا أول مصري عربي يحصل على جائزة الإنجاز من جامعة إلينوي الامريكية عام ٢٠١٠، وهي أرفع جائزة تمنحها الجامعة لخريجيها البالغ عددهم 600.000 خريج ولم يحصل على هذه الجائزة أكثر من ٥٠ خريج من ضمن كل خريجيها، وتمنح للخريج الذي يحقق نجاحا استثنائيا فريدا على المستوى الوطني او العالمي، وهو الفائز رقم43 بها.

البداية:

 كانت مع رواية \”شيكاجو\”، كنت قد قرأت عنها ذات مرة في صيف عام 2008 على أحد المواقع التي تجمع القراء، كان ما قرأته عبارة عن نقد شديد للرواية ومهاجما لها، لأن الرواية أظهرت شخصية البنت المحجبة الملتزمة \”شيماء\” تتخلى عن مبادئها وتنحرف أخلاقيا، وتصبح فاسقة، ويرى أن في ذلك محاولة لتشويه صورة المسلمات المحجبات جميعاً، بل وتشويه الإسلام نفسه، أكتشفت بعد ذلك أن الرواية كانت تهاجم قبل حتى أن تنشر في كتاب واحد، لأنها كانت تنشر في حلقات على صفحات جريدة الدستور المصرية المعارضة لنظام مبارك.

كانت وقتها قراءاتي مقتصرة على قصص وروايات المؤسسة العربية الحديثة، وهي أهم قراءات الجيل الذي انتمي له في ذلك الوقت، وكنت اقرأ في ذلك الوقت أيضا بعض أعمال يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس، واقرأ أيضا سلسلة روائع الأدب العالمي للناشئين، التي كانت تصدرها الهيئة العامة للكتاب، وهي سلسلة أنصحك بشرائها أو بشراء ما يصادفك من إصدراتها، والإحتفاظ بها لأطفالك وأحفادك إن أمكن.

ذهبت إلى معرض الكتاب في يناير من العام التالي، وظل اسم الرواية وغلافها (الذي أعجبت به بشدة) عالقين في ذهني، إلى أن صادفتني في معرض الكتاب في جناح دار الشروق.. أشتريتها وأشتريت مجموعته القصصية \”نيران صديقة\”، عدت ذلك اليوم منهكا، وفي اليوم التالي بدأت في رواية \”شيكاجو\”، ولم أستطع التوقف عن القراءة، استمريت لمدة 12 ساعة في القراءة، ولم أتوقف إلا عندما انتهيت من الرواية، كانت الرواية ممتعة بشدة، وصادمة في نفس الوقت.

أحببت أدب الأسواني في ذلك اليوم، أحببت جرأته وصراحته، وأحببت أسلوبه في الكتابة لأقصى درجة، ومنذ ذلك اليوم لم يكتب الأسواني حرفا في مقال أو رواية أو قصة قصيرة إلا وقرأته، وكنت انتظر مقالاته الأسبوعية، التي تصدر يوم الثلاثاء  في جريدة الشروق، وأذهب إلى بائع جرائد قريب من مدرستي الثانوية واشتري الجريدة فقط لأقرأ مقالاته.

قلت إن الرواية كانت صادمة بسبب جرأتها وصراحتها، لكن مشهدا بعينه كان بمثابة نقطة تحول حقيقية في حياتي وفي تكويني وشخصيتي وفي قراءاتي للأبد، حدث ذلك بسبب مشهد في الفصل الـ 36 من الرواية، عندما بدأ الأسواني في وصف المخلوع مبارك، كان ذلك صادما لي، فلم أكن أتخيل وقتها أن هناك أحدا ما يستطيع الحديث عن مبارك بهذه الجرأة.

كنت من هؤلاء الذين يصدقون أن مبارك الأب ونحن الأبناء، وأنه بطل الحرب والسلام وصاحب الضربة الجوية الأولى وما إلى ذلك من أكاذيب، حتى جاء الأسواني، وجعله يبدو كالمهرج، مجرد \”بلياتشو\” يلبس قناعا، ولطاما حاولت أن اكتب عن ذلك المشهد، وأن أصف أحاسيسي وأنا اقرأه لأول مرة، ولطالما عجزت عن ذلك، وعندما أعيد قراءته بعد هذه الأعوام وبعد الثورة، لا أستطيع أن استعيد ذلك الإحساس أبدا مهما حاولت.

لم أكن قارئا للسياسة قبل هذا المشهد، بل لم أكن أهتم بها من الأساس، كان ذلك المشهد جريئا بالنسبة لي لأقصى درجة، وكان هذا المشهد هو المدخل إلى عالم السياسة والاهتمام بها، والكلام بكثرة عنها وعن أهميتها في حياتنا، عامان قضيتهم قبل الثورة شغلي الشاغل هو القراءة في السياسة، واتجهت إلى مكتبة والدي انقب فيها عن كتب التاريخ، بالتحديد في الفترة ما قبل يوليو 52 وما بعدها، وصولا إلى مبارك ومذكرات السياسين، وكل ما كان له علاقة بعالم السياسة في مكتبة أبي.

بدأت في الانتظار، بدأت في انتظار الثورة على مبارك بفضل كتابات الأسواني، ومقالاته التي ادخلتني إلى عالم السياسة، كانت مقالاته تصف حالة المصريين وهمومهم وتحلل أوضاعهم بأسلوبه العبقري، وتفضح كذب حكوماتهم ورئيسهم –البلياتشو- وكانت المقالات تدعو المصريين إلى المطالبة بالديموقراطية وبحقوقهم السياسية، وتدعوهم للثورة من أجل حقوقهم السياسية، بل إن له كتابا عنوانه (لماذا لا يثور المصريون) صدر أثناء حكم المخلوع مبارك.

ويحسب أيضا للأسواني أنه من القلائل الذين تنبّهو مبكرا لخطر التوريث، وظل يكتب المقالات التي تنذر الناس بخطر حقيقي يحدق في مصر، وهو توريث كرسي الحكم من الأب للأبن .

كان الأسواني أيضا من أهم الداعمين للدكتور \”محمد البرادعي\” قبل أن يصل إلى مصر، ومن أهم الذين مهدوا له الطريق لإحداث تغيير حقيقي في الواقع السياسي المصري، وهو أيضا من أهم مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، التي مهدت وبقوة لحدوث ثورة الـ ٢٥من يناير.

مازلت أذكر مقاله الشهير الذي كتبه بعدوصول الدكتور البرادعي إلى مصر في جريدة الشروق بعنوان (مصر التي استيقظت)، كان ذلك في 23 فبراير 2010 بعد وصول البرادعي بأربعة أيام، والذي يمكن أن نقول إنه كان نبوءة الأسواني بحدوث الثورة قبل حدوثها، بدا متفائلا بيقظة الشعب المصري، وهو ما لمسه من حديثه معهم خلال استقبالهم للدكتور البرادعي في مطار القاهرة ليلة وصوله.

استمر الدكتور الأسواني في دعم البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير، وأوقفه نظام مبارك عن الكتابة في أكتوبر من نفس العام، لكن التوقف لم يستمر طويلا، إذا جاء الطوفان بعدها بثلاثة شهور فقط، لينصف الأسواني، وليتحقق حلمه بالتغيير الذي لطاما حلم به ودعا له على صفحات الجرائد من خلال مقالاته وأعماله الأدبية وأحاديثه الصحفية.

سيذكر التاريخ \”الأسواني\” كأحد معاول إسقاط مبارك، التي ظلت تدق المسامير في نعش حكمه الواحد تلو الآخر حتى أسقطته، لم  يضر الأسواني نباح الكلاب من إعلاميين النظام قبل الثورة ولا بعدها وخلال حكم الإخوان وخلال الفترة الانتقالية التي تلت الـ 30 من يونيو، ولن يضيره نباحهم أبدا، وسينصفه التاريخ، ليضعه في مصاف الثابتين على درب الحق، الذين لا يحيدون عنه مهما كانت المغريات، ومهما كانت التهديدات التي يتلقاها، سيظل الأسواني شوكة في حلق كل أنظمة الحكم القمعية في مصر، وفي المنطقة العربية من المحيط للخليج.

عاش حلم الأسواني، عاشت ثورة يناير رغم أنف كل فاسد وظالم وقاتل ومُضلِل أو مُضَلَل.

واختتم كلامي بشعاره الشهير.. الديموقراطية هي الحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top