فور سماعي خبر التحفظ على أموال اللاعب محمد أبوتريكة، قفز إلى ذهني اللقاء التليفزيوني الذي أجراه الإعلاميان لميس الحديدي وإبراهيم عيسى مع المرشح الرئاسي – آنذاك- عبد الفتاح السيسي عندما سألته لميس: كيف ستحفز المصريين خصوصا وأن هناك كل يوم مظاهرات فئوية تطالب ربما عن حق أو عن غير حق بطلبات؟
عندها قاطعها السيد عبد الفتاح مهددا المصريين: إذا ما كنتوش هتصبروا معايا لغاية ما الأمور تتحسن مش هقولك انا هعمل فيكو ايه، ثم أردف زاعقا بعبارته الشهيرة التي صارت مصدر تندر فيما بعد: أنا مش قادر أديك، هتاكلوا مصر يعني؟ هتموتها يعني؟ ثم أومأ برأسه متعجبا بعينين ملئهما المراوغة، هنا عقب إبراهيم عيسى: بالتأكيد هيقولك الأغنيا هما اللي بيكلوها وهما اللي بيبرطعوا فيها، فرد عليه السيسي دون أي تردد: الكلام دا مش صحيح.
لا يرى السيد الرئيس أن من يدافع عنهم دون استحياء، هم من ساقوا البلاد والعباد إلى هذه الحالة المزرية التي بات فيها الملايين من الشعب وهم عاجزون عن توفير الحد الأدنى من سبل العيش لأنفسهم ولذويهم.
وبالتدقيق في موقفه هذا من أصحاب رؤوس الأموال، يتضح لنا أن هذا الرجل ما جاء إلى هذا المنصب مدعوما من مؤسسته العسكرية التي يسيطر قادتها على قدر كبير من الاقتصاد المصري، ومدعوما أيضا من رجال مبارك الذين لم يبخلوا عليه بأموالهم ولا بمنصاتهم الإعلامية، إلا لحمايتهم من أحلام العيش والحرية والعدالة الاجتماعية التي يطمح إليها الشعب.
ترك السيسي كل هذه الأموال الطائلة التي جمعها هؤلاء المحتالون دون محاسبة ضريبية عادلة ولا يعلم أحد مدى مشروعيتها، وذهب ليتحفظ على أموال محمد أبو تريكة، التي يعلم القاصي والداني كيف حصل عليها.
يؤّمن السيسي لمبارك وولديه ثرواتهم التي هي نتاج صناعة الفقر والجهل والمرض التي عمل على رواجها طوال فترة حكمه، ويحرم أبو تريكة من أمواله التي هي نتاج صناعة السعادة في قلوب الملايين طوال فترة عطائه داخل الملاعب.
لست مع هالة القداسة التي أحاط بها البعض اللاعب، ولكوني زملكاويا فقد شكل لي عبئا ثقيلا في كل المبارايات التي لعب فيها ضد الزمالك، لكنه أيضا أدخل البهجة إلى قلبي عندما كان يلعب للمنتخب، كان أبوتريكة أحد مصادر السعادة النادرة للشعب الذي أحاط به الهم والكدر من كل جانب، كما أنه كان أنفع لمصر من كل هؤلاء الذين يحميهم السيسي ويحمي ما نهبوه بظلمه، بل إنه قدم لها بأصابع قدمه ما لم يقدمه السيسي نفسه، فمن يزرع السعادة في النفوس حتى وإن كانت عبر لعبة، لهو أنفع وأجدر بالتقدير ممن لا يرى منه الناس سوى الاستبداد والبطش.
ولو أن اللاعب قد شارك أحد المنتمين لجماعة الإخوان، وكان من قرار التحفظ بد فيجب أن يكون على نصيبه في الشركة لا على كل ممتلكاته، لأنه هو الوحيد من بين الصادر ضدهم القرار معلوم لدى الجميع من أين أتت أمواله، وقبل كل ذلك يجب التحفظ أولا على أموال مبارك وأولاده ورجال أعمال الحزب الوطني، فمناخ العدالة المنقوصة الذي نعيشه هذه الأيام على يد الرئيس المتخبط سوف يودي بنا جميعا للهلاك.