محمد حسن يكتب: جوني الأصلي

\”توفيق: تعرف يا إكسلانس أحسن استعمار في الدنيا إيه؟ الإستعمار الإنجليزي.. الكل ياكل.. الكل يفرح، الباقي كله.. رابش.

يوسف: الإنجليز مشيوا من البلد بقالهم 10 سنين ولساهم بردو محتلين البني آدمين.

بهية (لتوفيق): ماتعرفش تلعب مع عزرائيل؟

توفيق (لبهية): وحياتك أنا لعبت كله.. أنا بتاع كله، تعرف يا يوسف بيه أنا نفسي تجربني ونس.. مرة واحدة بس، أنا كنت أركب اللوري متلتل لتمة عينه، واروح داخل على بوابة الكامب.. اروح مقابل جوني البواب.. يعد ويقيد.. جوني الميجر.. يعد ويقيد، واطلع من الباب الوراني الف لفة واروح داخل يعد يقيد ويعد ويفضل يعد ويقيد.. مرة واتنين وتلاتة، الكل مبسوط الكل مرتاح .. جوني البواب، جوني الميجر، جوني بتاع الباب الوراني، جوني المسكين محسوبكم، المعلمين الكبار قاعدين مع جونيهات الكبار الهاي مبسوطين 24 قيراط.. بيكسب بدل الألف عشرة، طب وحياة كونياك نابليون اللي حاطط إيده في عبه ولا شالهاش أبداً.. انا جوني الأصلي.\”

كان هذا الحوار الذي نطق به الممثل الفذ محمود المليجي من أحد مشاهد فيلم \”العصفور\” للمخرج يوسف شاهين، والذي شاركه إياه القديران صلاح قابيل ومحسنة توفيق، لسان حال من تعاونوا مع الاحتلال إبان جلاء الإنجليز عن مصر، فلم ير هؤلاء الوصوليون في جلاء الاحتلال عن أرضنا سوى خراب لديارهم التي عمرت من العمل في خدمة المحتل، غير آبهين بالفقر والذل اللذين يعاني منهما غالبية الشعب على يد الاحتلال وأعوانه من طبقة كبار الملاك.

بلغ عدد هؤلاء الذين استخدمتهم القاعدة العسكرية البريطانية المرابطة في مدن القناة قرابة 200 ألف عامل في مختلف المجالات، وغيرهم ممن قاموا بتوريد المواد الغذائية لمعسكرات الإنجليز في باقي المحافظات المحتلة، كنى شاهين النموذج الذي ساقه لنا عن هؤلاء والذي جسده المليجي بعبقرية متناهية بـ \”جوني\”.. الاسم الأشهر بين عساكر الإنجليز وقتها، وهذا أقل ذم ممكن لمن يغلب مصلحته الشخصية على مصلحة الوطن.. أن يسمي باسم المغتصب.

عقب اندلاع ثورة يناير، التي أدت إلى خلع مبارك وأسرته، عاد جوني المنتفع من فقر وامتهان جموع الشعب إلى الظهور، معبراً عن غضبه من هذه الثورة المهددة لمصالحه المعقودة ببقاء منظومة الفساد، التي أغرق بها مبارك البلاد، وأصبحت تلك الشخوص التي تقتات على هذا العفن حاضرة بقوة فى دوائر النقاش ودوامات الجدل المتولدتين على ضفاف الثورة، فمن منا لم يقابل خلال الأربعة أعوام الماضية في العمل أو المقهى أو وسائل المواصلات أو بين جيرانه أو حتى في بيته أحداً من هؤلاء الذين يبكون بحرقة خوفاً على الخراب المباركي من الزوال؟

وبإسقاط المشهد الذي جسده المليجي على زماننا، نجد أن شخصية جوني قد تمددت وتفشت في جميع أركان الدولة كالسرطان، بعدما كانت قاصرة أيام الاحتلال البريطاني على من يعمل في معسكراتهم فقط، حتى إنه يمكننا إجمالهم في مجموعتين من الجونيهات: مجموعة الجونيهات الكبار الهاي التي يتربع على قمتها مبارك ذاته.. حوله بطانته من السلطات العليا ذات الحصانة الدستورية والقانونية، حولهم المعلمين الكبار من رجال الأعمال، مضافاً إليهم الفاسدين والمرتشين من العاملين بالدولة.. مدنيين كانوا أو عسكريين، والعاملين الفاسدين لدى رجال الأعمال الذين ينتمون إلى الطبقة فوق المتوسطة.

أما المجموعة الثانية فيمثلها الجونيهات المساكين الذين تملقوا المجموعة الأولى وأخلصوا في خدمتها، والتي يمثلها صاحبنا في فيلم \”العصفور\”. كما يمكننا تفصيلاً بعد إجمال تنسيبهم إلى الجهات التي يعملون بها، فقد أصبح لدينا في كل مؤسسة جوني: جوني بتاع الرئاسة، جوني بتاع القوات المسلحة، جوني بتاع الشرطة، جوني بتاع القضاء، جوني بتاع الصحة، جوني بتاع التعليم، جوني بتاع الإعلام، جوني بتاع الزراعة، جوني بتاع الغاز الطبيعي، جوني بتاع الضرايب، جوني بتاع السياحة، جوني بتاع الإسكان، وعلى هذا يكون القياس في باقي مؤسسات الدولة التي لم تخل واحدة منها من فاسدين، لا يعنيهم سوى مصلحتهم الدنيا، والعجيب أن أمثال هؤلاء عادة ما ينالون رضاء روؤسائهم، فتكون لهم أولوية الترقي ويتربعون على قمة الهرم الوظيفي، حتى أصبحت مؤسسات الدولة مرتعا لحفنة من اللصوص والانتهازين، الذين اتخذوا من الرشوة صرحا يبلغون به الأسباب، ومن المحسوبية سبيلا للظفر بالامتيازات، يرون قمع الضعفاء وامتهانهم وسيلة لا بأس بها كي يستتب الأمن ويعم الاستقرار ربوع البلاد.. لا يبالون إذا قتل آلآف أو حتى ملايين البشر، طالما أن مصالحهم بمنأى عن أي خطر، وهم على حالتهم هذه لا يرون أنهم يقترفون أي جريرة بحق هذا الوطن، بل يرون أنهم يحمونه من أي تغيير قد يحل عليه يودي به إلى الهلاك، وهذا ما تجسده مقولتهم الشهيرة للمنادين بالحرية والعدالة الاجتماعية: \”ربنا ياخدكم خربتوا البلد\”، يظنون أنها كانت قبل الثورة جنة وهي خاوية على عروشها، يرمون من أرادوا انتشالها من الفقر والجهل والمرض بالخيانة والعمالة، وكأنهم أوتوا جوامع الوطنية في احتيالهم وافتئاتهم على حقوق الشعب، وكأن ما يقومون به من سحق للضعفاء نضال مقدس، وهنا أسوق لكم بعض من حديث الجونيهات.

حدثنا جوني بتاع السياحة أنه في إحدى الجولات السياحية اصطحب المجموعة التي كان يقوم بإرشادها إلى عزاء في إحدى قرى الصعيد مسمياً إياه: \”Quran Party\” \”حفلة قرآن\”، وقد أخذ من كل فرد في المجموعة 10 دولارات نظير حضور الحفل.. جوني لا يعتبر مثل هذه الأفعال احتيال يؤدي لتشويه سمعة مصر، إنما إنعاش لاقتصادها بالمزيد من العملة الصعبة.

يقول آخر إنه كان ينبغي على وزارة الداخلية يوم جمعة الغضب تفجير محطات المترو أسفل ميدان التحرير، فتهبط الأرض بالمحتشدين في الميدان ونرتاح من شرورهم.. يرى هذا الفاشي أن الشر يكمن في تعبير الغاضبين عن رأيهم، والخير كل الخير في قتل آلاف الأبرياء كي ينعم هو برغد العيش.

وأشد ما يثير الغضب هو حديث مساكين الجونيهات عن جنة مبارك التي لم يروا منها سوى الفتات المتناثر حول الجونيهات الهاي، قال لي كاتب في إحدى الجهات القضائية إنه لا ينبغي علينا أن نغضب من سوء معاملة السادة الأعضاء، وبالتالي لا يجب التحرك ضد أي ظلم نتعرض له، لأن الله خلق الناس بعضهم فوق بعض درجات، وإن هذا الشعب لا يناسبه إلا الكرباج.

كانت هذه الروايات على سبيل المثال لا الحصر لمن يرون أن نظام مبارك أحسن نظام في الدنيا و\”الكل مبسوط الكل مرتاح\” والباقي كله خونة وعملا، وأني لأردد مع توفيق قسمه: وحياة كونياك نابليون اللي حاط إيده في عبه ولا شالهاش أبدا.. أنتو اللي خونة وعملا.

وختاماً.. أود التأكيد على أنه لا مجال للتعميم في مقالنا هذا، فالحديث كان عن ذوي الضمائر الخربة فقط في مختلف أطياف الشعب، وأن هناك الكثيرين الرافضين لكل هذا الظلم ينتظرون لحظة الخلاص التي يؤخرها جوني الذي يحكمنا، كما كان في زمن الاحتلال ثلة من الوطنيين المخلصيين يعملون بمعسكراته استغلوا تواجدهم بداخلها لإنجاح نضال الشعب ضد المحتل.

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top