\”تتتيت .. تتتيت .. تتتيت\”.. صوت المنبه السخيف.. ذلك الصوت الزنان السمج البارد.. الذي يلح عليك كالذبابة الملعونة.. ليذكرك بأن علي روحك المقهورة.. مغادرة ذلك العالم الرحب غير المحدود.. الذي تسبح فيه هائمة بلا قيود.. عليها مغادرته الآن.. حالاً بالاً.. كي تعود حبيسة هذا الجسد الكئيب.. في عالم الواقع الرتيب.. ولأن الواقع دائماً مهبب.. فإن أنكر الأصوات لصوت المنبه.
استيقظت لكي أجد ذلك المنظر العجيب.. أرنب أبيض عملاق منتصب القامة واقفاً بجوار السرير ممسكاً المنبه الذي يرن في يده بلا انقطاع .. مشيراً له في توتر:
– ياللا هانتأخر
فقلت متأففاً:
– طيب.. هاقوم أهه ثواني
فقال و توتره يزداد:
– إنت لسه هاتقوم؟!.. يالللا دا أحنا هايطلع دين أبونا
فقمت جالساً على طرف السرير ناظراً له بعين وعين:
– هو مش إنت بتاع أليس في بلاد العجائب؟!
فقال و المنبه في يده يزداد إلحاحاً:
– إنت لسه هاترغي؟!.. ياللا أخلص
– طب خلاص قايم.. إطفي دين أم المنبه ده طيب
قمت متثاقلاً مدروخاً، ذاهباً للحمام.. فجاء ورائي عند باب الحمام جاذباً إياي من ذراعي:
– إنت لسه هاتخش الحمام؟!.. كده هانتأخر
– ألّه!!.. يعني هانزل بعماصي كده بشعري المنكوش؟!!
فقال متنططاً في مكانه في هيستيريا و قد إزدادت حدة صوته الأرنبي:
– كده هانتأخر.. كده هانتأخر
ارتديت ملابسي على عجل في توتر.. بينما هو يتنطط مستعجلاً إياي:
– كده هانتأخر .. هايطلع دين أبونا
انتهيت من ارتداء ملابسي، فذهب هو ليفتح باب الشقة، بينما لملمت أنا أشيائي على عجل، ثم خرجنا سوياً.. وجدت في الخارج شيئاً غريباً.. لم يكن سلم البيت موجوداً!.. بل كان مكانه زحليقة حلزونية طويلة تنتهي في الأسفل عند مدخل العمارة!!.. وكان مدون عليها متتالية رقمية تبدأ في كل مرة بالرقم 1 وتنتهي بالرقم 12.. لم يمهلني حق التساؤل وألقى بنفسه متزحلقاً على الفور حتى وصل عند مدخل العمارة .. ثم وقف بالأسفل ينظر لي:
– كده هانتأخر .. كده هانتأخر
وقفت برهه متردداً، فاستعجلني متنططاً:
– هايطلع دين أبونا.. هايطلع دين أبونا
سلمت أمري إلى الله وألقيت بنفسي إلى الزحليقة.. كان الأمر ممتعاً جداً حتى أنني فكرت في أن أكررها ثانية، لولا أنني لم أعرف كيف سوف أصعد مرة أخرى
– كده هانتأخر.. كده هانتأخر
جاء صوته من الشارع، فسارعت إلى الخارج، وعندما خرجت أدهشني ما وجدته
لم أجد شارعنا !!.. بل لم أجد بلدنا كلها من الأساس.. وجدت شارعاً غريباً في بلد أجنبي غريب.. شارع نظيف يلمع في ضوء الشمس.. سيارات حديثة.. ناطحات سحاب شاهقة.. بشر من أجناس مختلفة يغلب عليهم الملامح الأوروبية، ويبدو عليهم جميعاً الاستعجال.. كانت غالباً فيما يبدو مدينة \”نيويورك\”.. أو شيء من هذا القبيل.. أخرجني من دهشتي صوت آلة تنبيه لحوح.. كان الأرنب الأبيض جالساً خلف مقعد سيارة بيضاء من طراز شيفورليه يشير لي بأن هيا.. لاحظت أثناء توجهي نحوه أن هناك من يجلسون على المقعد الخلفي.. استقللت السيارة فانطلق بها مسرعاً.. نظرت للمقعد الخلفي قائلاً:
– سلامو عليكو
فردوا جميعاً:
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
كان الجالسون في الخلف هم \”ألبرت أينشتاين\”، و\”محيي الدين ابن عربي\”، بالإضافة لدودة عملاقة جالسة في الوسط بينهما، لاحظت أنها كانت تقوم بإشعال سيجارة، ولكن الأرنب الأبيض لم يمهلها، فقال وهو ينظر إليهاً عبر مرآة السيارة:
– ممنوع التدخين هنا لوسمحت
فقامت الدودة ممتثلة بإطفاء السيجارة على الفور، بينما سألته أنا:
– هو أحنا متأخرين على إيه؟!
فلم يرد!.. فسألته:
– طيب هو أحنا مش هانفطر طيب؟!
فلم يرد برضه!!.. فسلمت أمري إلى الله وأخذت أتأمل مدينة نيويورك (أو شيء من هذا القبيل) عبر نافذة السيارة.. لاحظت أن كل اللافتات والشاشات الإعلانية العملاقة تعرض نفس الصورة.. صورة ساعة يدور عقاربها الثلاث في سرعة مجنونة!!.. فتحت الراديو.. فجاء عبره صوت مدرب التنمية البشرية الأشهر الدكتور \”إبراهيم الفقي\” قائلاً:
– أمير الشعراء أحمد شوقي بيقول \”الوقت كالسيف.. إن لم تقطعه قطعك\”.. وأول خطوة في طريق النجاح هي إنك تقدر قيمة الوقت.. أنا مثلاً أول ما روحت كندا.. ابتديت بغسيل الصحون.. واكتشفت وقتها إن عامل الوقت عامل مهم جداً.. وعشان كده قدرت أوصل في فترة وجيزة إني أحقق رقم قياسي.. لدرجة إني كنت باغسل ميت طبق في الدقيقة.. وده لأني قدرت قيمة الوقت وعرفت استغل كل ثانية من حياتي.. ولولا كده ماكنتش نجحت في غسيل الصحون.. وماكنتش وصلت للي أنا وصلتله.. ولا كان زماني باكلمك دلوقتي م الراديو
وصلنا، فدلف الأرنب الأبيض إلى الجراج راكناً:
– وصلنا في المعاد الحمد لله
– طب الحمد لله .. ده أنت كنت قلقان أوي
ترجلنا سوياً أنا وهو بينما مكث كل من \”أينشتاين\” و\”ابن عربي\” والدودة في أماكنهم على الكنبة الخلفية.. وصلنا إلى الباب فوقفت أتأمل المبنى الذي نقصده مبهوتاً في انبهار.. مبنى معدني ضخم ..مصمت بلا نوافذ.. كئيب و مهيب.. تتوسطه يافطة معدنية عملاقة لامعة عبارة عن حروف كلمة \”The Machine\”..
– إنت واقف عندك بتعمل إيه ؟! .. ياللا
قال، فدلفت وراءه عبر بوابة المبني الصغيرة متسائلاً:
– هو أحنا جايين هنا نعمل إيه ؟
– جايين نشتغل .. يعني هانكون جايين نعمل إيه يعني ؟!
دخلنا إلى المبنى فوجدنا أنفسنا وسط مجموعة كبيرة من البشر.. كان الأرنب الأبيض بجواري لا يتركني.. دخل الجميع إلى غرف تغيير الملابس، فقمنا بارتداء ملابس العمل التي كانت عبارة عن عفريتة زرقاء، ثم انتقلنا إلى بهو واسع جداً تتوسطه ماكينه عملاقه، تشبه إلى حد كبير مفرمة اللحم اليدوية المعدنية، بجوارها رافعة طويلة ذات يد حديدية، وحاويتان معدنيتان كبيرتان الحجم، إحداهما على يمين المفرمة ، والأخرى في اليسار.. اتخذ كل منا موقعة.. وبدأت الماكينة في العمل..
تحركت الرافعة ذات اليد الحديدية ناحية الحاوية التي على اليسار.. أدخلت يدها بداخلها ثم أخرجتها قابضة على كومة غريبة الشكل، ثم توجهت بها إلى فوهة المفرمة.. لم أتبين لأول وهلة ماهية تلك الكومة.. لكنني حين دققت النظر صعقت مما رأيته.. كانت القبضة الحديدية تقبض على كومة من البشر!.. أيوة.. بني آدمين.. مجموعة من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ.. كانوا جميعاً عاريين تماماً.. وكانوا جميعاً فاقدي الوعي، أو ربما ميتين، لا أعلم.. وكان يبدو عليهم جميعاً الهزال الشديد.. أفرغتهم القبضة داخل فوهة المفرمة العملاقة.. فعدت إلى الخلف مبهوتاً غير مصدقاً.. نظرت للعاملين فوجدتهم منهمكين في عملهم غير عابئين.. نظرت إلى الناحية الأخرى من المفرمة لأرى نتيجة الفرم الخارجة منها.. فوجدتها تخرج أوراقاً نقدية !!.. أوراقاً نقدية مختلفة الألوان، تفرغها في الحاوية الأخرى على الجانب الأيمن.. ثم تعود الرافعة لتتحرك مرة ثانية نحو الحاوية اليسرى، كي تخرج القبضة مجموعة أخرى من البشر
تتتيت .. تتتيت .. تتتيت .. تتتيت
صوت المنبه السخيف.. ذلك الصوت الزنان السمج البارد.. الذي يلح عليك كالذبابة الملعونة .. ليذكرك بأن علي روحك المقهورة.. مغادرة ذلك العالم الرحب الغير محدو…
– يا عم إنت لسه هاتقول شعر؟!.. ياللا أخلص قوم.. كده هانتأخر
أعدنا الكرة مره أخرى بنفس التفاصيل.. التوتر و التنطيط.. إنت لسه هاتقوم؟.. ياللا أخلص.. إنت لسه هاتخش الحمام؟!.. كده هانتأخر.. إلبس بسرعة.. هايطلع دين أبونا..
خرجنا أنا والأرنب الأبيض من باب الشقة، فوجدنا السلم في مكانه هذه المرة .. نزلت درجات السلم كالمعتاد بينما أخذ يقفز هو من البسطة إلى البسطة ! .. أرنب بقى !! .. و في كل مرة يستعجلني متنططاً .. هانتأخر .. هايطلع دين أبونا .. فنزلت مهرولاً وراءه حتى وصلنا إلى باب العمارة ..
لم نجد هذه المرة أيضاً شارعنا .. و لكننا وجدنا بلدنا .. كان أحد شوارع القاهرة .. لم استطع في الحقيقة تحديد ماهيته ، و لكنه كان أحد شوارع المحروسة بكل تأكيد .. الزحام .. الضوضاء .. التلوث .. القذارة .. القمامة .. العشوائية .. الباعة الجائلين .. الشمس الحارقة و الجو الخانق .. الوجوه الكئيبة العابسة البائسة .. الأوتوبيسات الحمراء .. الميني باصات الخضراء .. التاكسيات التي بعضها أبيض و بعضها الآخر أبيض في أسود .. و الميكروباصات بقى و التكاتك و كل إللي بالك فيه ..
تمشينا إلى أحد محلات الفول و الطعمية .. ابتاع لنا الأرنب الأبيض بعض السندوتشات ، فوقفنا نلتهمها على عجل ، ثم خرجنا إلى الشارع مرة أخرى .. أشار الأرنب إلى أحد الميكروباصات فتوقف لنا على الفور و استقللناه
– خمسه ورا معاك يا كابتن
قالها أحد الركاب من خلفنا و هو يعطي الأرنب الأبيض النقود ، و ماهي إلا ثواني حتى وجد نفسه يقوم بدور التباع في لم الأجرة من الركاب .. أخذ السائق يتناحر مع الركاب كالمعتاد على الأجرة التي زادت نص جنيه ، و السولار غلي يا أساتذه ، طب و إحنا إيه ذنبنا ؟ ، ما هي كل حاجة غليت علينا ، و الله يخرب بيوتهم و إلى آخر هذا الجدل الممل ، بينما أخذت أنا أتابع الراديو الذي كان يرتل بصوت الشيخ \”محمد رفعت\” :
\” وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَالإِنسَانُ عَجُولاً\”
انقطع الحديث فجأة عندما قام أحد أمناء الشرطة باستيقاف الميكروباص طالباً من السائق الرخص .. دار بينهما حوار حول الرخص المسحوبة و خط السير المنتهي ، تخلله بعض التوسلات من السائق ، و التي تدرجت حتى وصلت للزعيق و العصبية ، و انتهت في النهاية بــ:
– إنزلوا يا أساتذة عشان العربية هاتتحجز
قالها لنا أمين الشرطة ، فتوسلناه قليلاً ، ثم نزلنا في النهاية صاغرين
– تعالى نتمشى لمحطة الأتوبيس .. نركب ميكروباص تاني و لا نركب 303 أو 909 بشرطة
قال لي الأرنب الأبيض متوتراً ، فتمشينا سوياً إلى محطة الأوتوبيس .. و أثناء مرورنا على أحد المقاهي رأيت الثلاثة هناك جالسين في هدوء : \”ابن عربي\” و \”أينشتاين\” و الدودة (التي كانت تدخن الشيشة بقى المره دي عادي) .. و كانوا جميعاً يشربون الشاي في سلام ، غير عابئين بالعالم .. أخرج لي \”أينشتاين\” لسانه هاززاً رأسه ، فتجاهلته و أكملت السير مع صديقي الأرنب إلى المحطة ..
وصلنا إلى محطة الأوتوبيس .. و انتظرنا طويلاً مع المنتظرين .. كلما مر ميكروباص وجدناه كامل العدد فلا يتوقف .. و لم يأت 303 أو 909 بشرطة .. أخذ الأرنب الأبيض ينظر لساعته متوتراً :
– كده هانتأخر .. كده هانتأخر .. هايط
– هايطلع دين أبونا عارف .. بس هانعمل إيه يعني ؟! .. استهدى بالله كده الله يكرمك مش ناقصة توتر
توقفت فجأة أمامنا إحدى السيارات الفارهة .. ترجل منها قائدها فوجدناه الداعية الإسلامي الشهير \”عمرو خالد\” .. تقدم نحونا مبتسماً ابتسامته العريضة قائلاً:
– أنا جاي النهاردة يا أخوانا عشان أكلمكوا عن الوقت .. الوقت يا أخوانا الوقت .. النبي عليه الصلاة و السلام قال…..
– عليه الصلاة و السلام
– النبي قال : \”وعمره فيما أفناه\” .. و بره في الدول المتقدمة .. اكتشفوا أهمية الوقت .. و عشان كده عرفوا يتقدموا .. و يحققوا كل الانجازات المبهرة دي .. و شوفوا إنتوا بقى .. النبي قالها من قبل ماهما يكتشفوها بألف و ربعميت سنة .. عشان تعرفوا قد إيه عظمة الإسلام .. فبالله عليكوا .. بالله عليكوا كمان مرة .. ماتضيعوش عمركوا في كلام فاضي .. يا شباااب .. يا بنااات .. يا ستااات .. يا أخوانا يا أخوانا يا أخوانا
جاء فجأة 909 بشرطة ، فهرول الجميع نحوه تاركين \”عمرو خالد\” يتحدث إلى الفراغ .. تشعبطنا أنا و الأرنب الأبيض على باب الأتوبيس .. فانطلق في الطريق مناوراً مُغَرّزاً حتى وصل بنا في النهاية إلى محطتنا بأعجوبة .. فقفزنا و ترجلنا حتى مبتغانا
وصلنا فوجدت سور عريض عملاق ، تتوسطه بوابة حديدية نصف مفتوحة ، يعلوها يافطة خشبية مدون عليها كلمة : \”المصـــلحة\” .. كان هناك جمع كبير من البشر ، مزدحمين على البوابة الحديدية ، يتصارعون فيما بينهم على الدخول ، فاقتحمنا نحن الجمع بصعوبة بالغة ، حتى وصلنا إلى البوابة ، لم يسمح لنا حراس البوابة بالدخول إلا بعد أن أبرزنا كارنيهاتنا .. و فور دخولنا .. أغلقت البوابة من خلفنا
– اتأخرتوا ليه ؟!
كان هذا فيما يبدو هو رئيسنا في العمل ، جاء ليخرجني من ذهولي ، فرد عليه الأرنب الأبيض مرتعشاً :
– ما هو أصل….
– لا أصل و لا فصل .. مخصوم منكم إنتو الإتنين تلات تيام .. يا للا اتفضلوا
فقال لي الأرنب الأبيض مغمغماً :
– شفت ؟ .. مش قولتلك هايطلع دين أبونا ؟
– يا عم و هو أحنا كل ده ماكنش لسه طلع دين أبونا ؟!
دخلنا فوجدنا عدد كبير من البشر في حوش ترابي واسع ، يدورون في طابور واحد في دائرة مغلقة ، تحت آشعة الشمس الحارقة ، فانضممنا إلى الدائرة على الفور و أخذنا ندور معهم .. جاء صوت من ميكرفون ما :
– أسرع
فأخذ كل منا يدفع من أمامة في محاولة لزيادة السرعة .. فجاء الصوت :
– أسرع كمان
فأزدنا جميعاً من سرعتنا ..
– إجري
فأخذنا جميعاً نهرول ..
– كل واحد يضرب إللي قدامة على قفاه
فشعرت بالصفعة مباشرة ممن خلفي ، فصفعت أنا على أثرها الأرنب الأبيض (الذي كان أمامي) صفعة قوية ..
– إجري
فأزدنا السرعة ..
– كل واحد يضرب إللي قدامة بالشلوت
تلقيت الركلة بينما ركلت الأرنب الأبيض ركلة مباشرة في مؤخرته جعلته يقفز أمامه عدة أمتار ..
و هكذا ..
اجري
أسرع
أسرع كمان
كل واحد يضرب إللي قدامة على قفاه
كل واحد يضرب إللي قدامه بالشلوت
إجري
إجري كمان
ظللنا ندور هكذا حول أنفسنا في الدائرة المفرغة ، صافعين راكلين بعضنا البعض ، بينما تلفح الشمس الحارقة رؤوسنا ، و يتصاعد الغبار الخانق من تحت أقدامنا .. فبدأت أشعر بالإعياء .. و شيئاً فشيئاً .. أسودت الدنيا في عينيّ و ….
تتتيت .. تتتيت .. تتتيت .. تتتيت
صوت المنبه السخيف .. ذلك الصوت الزنان السمج البارد .. الذي يلح عليك كالذبابة الملعونة .. ليذكرك بأن علي روحك المقهورة .. مغادرة ذلك العالم الرحب الغير محدود .. الذي تسبح فيه هائمة بلا قيود .. عليها مغادرته الآن .. حالاً بالاً .. كي تعود حبيسة هذا الجسد الكئيب .. في عالم الواقع الرتيب .. و لأن الواقع دائماً مهبب .. فإن أنكر الأصوات لصوت المنبه
استيقظت كالمعتاد.. أغلقت المنبه، وقمت متثاقلا.. جسدي بالكامل يؤلمني.. اللعنة على الكوابيس، تجعلك تبذل مجهوداً في النوم أكثر من الصحيان.. لبست شبشبي وتوجهت مترنحا إلى الحمام.. وفي مرآة الحمام نظرت فلم أجدني.. نعم.. وجدته هو.. ينظر إلي مبرقا عبر المرآة في دهشة.. بينما ترتجف أذناه الطويلتان فوق رأسي..
هايطلع دين أبونااااا…
تتتيت.. تتتيت.. تتتيت…