محمد حسام الدين أبو مندور يكتب: أضعف الإيمان

وقف أمام باب المسجد يتابع مشهد سحل أمين الشرطة لسائق أجرة في الشارع، لكون العربة تحمل رخصة سياحة وليست رخصة أجرة، ولولا عناد السائق ما كان وصل الأمر لهذا، ففي أسوء الظروف كان الأمين سيسحب الرخصة أو يأخذ خمسين جنيها رشوة ويمر الموضوع كما يمر في العادة، لكن السائق قرر أن يشرح وضع العربات ووضعه لأمين الشرطة، وأن كل عربات الموقف تقريبا رخصة سياحة، مع إن السائق يعلم أن أمين الشرطة يعلم هذا، وأمين الشرطة يعلم هذا والناس الواقفة تعلم هذا.. الكل يعلم أنه لا نظام، وأن الفساد هو صاحب الكلمة العليا في منظومة المرور أو فساد المرور كما يجب أن يسمى.

عندما شاهد هذا الموقف، تذكر كم مرة تكرر بشكل أو بآخر، وسأل نفسه: منذ متى وهو يرى تعدي من السائقين على القوانين وتعدي الشرطة على السائقين، فالكل يخرق القانون ليظهر قانون المال والنفوذ، ويستطيع من يملكهم أن يصنع هو القانون الخاص به.. ترجم هذا المشهد انعكاسا بداخله على الوضع العام لمصر، فهو أبدا لم ير مصر جميلة.. مصر بالنسبة له كئيبة قاسية، نظامها هو عدم النظام.. بلد نظامها بحرسه القديم والجديد فاسد، ومعارضتها الإسلامية شرهة للحكم وديكتاتورية أكثر من النظام نفسه، والمعارضة اليسارية والليبرالية من صنع النظام أو بنود حقوق الإنسان في المعونات الأجنبية، وإعلام ملك لرجال الأعمال \”حرس النظام الجديد\”، وشرطة تحمي من يدفع أكثر، وقضاء أكثره فاسد، وجهاز حكومي فاسد.. الكل فيه يسرق على قدره، وجيش دولة داخل الدولة، ومنصب الرئيس في يده كل خيوط القوى، وكل القوى تتصارع عليه.. كل شيء يدعو للاكتئاب، وكل شيء يذهب به إلى الانتحار أو الهجرة.. بات يشعر أنه مستهلك ويائس، وكذلك المارة لم يصبحوا بهذا الشغف لمشاهدة حتى موقف سحل السائق كما قبل.. حتى نظرات السائق كلها احباط.

فجأة سمع خطيب الجمعة يقول: \”عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم\”.. سمع الحديث وكأنه يسمعه لأول مرة، بمعنى أدق يفهمه بهذه الصورة.. يفهم أن المنكر ليس بالضرورة منكرا فرديا، فمن الممكن أن يكون المنكر فسادا منظما لجماعة أو مجموعة أفراد، وأن تغيير المنكر بالقلب هو الأمل.. لا يعلم من أين يأتي الأمل في ظل الحال المزرى، لكنه شعر أنه يجب أن يكون هناك أمل، ويجب أن يتمسك به، فكما قالوا من الأصل تبدأ الأشياء وتنتهي وهو أصله مصري، وكما قالوا أيضا لابد من يوم معلوم تترد فيه المظالم، أسود على كل ظالم وأبيض على كل مظلوم.

ترك مشاهدة السائق والأمين ودخل الجامع وتوضأ وجلس يستمع، لربما أول خطبة جمعة في حضرة الله يستفاد منها بحق الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top