عندما يقرر شخص ما أن يترشح لرئاسة الدولة، يبدأ بكتابة كم هائل من الوعود التي سيلقيها على مواليه في دعايته الانتخابية.. وعود هو نفسه لا يعلم مدى مقدرته على تنفيذها، ولكنه رغم جهله هذا، لا يكف أبدا عن تزييف خطاباته بكذبٍ وأحاديث تتبخر بعد فوزه بالمنصب.
يستغل هذا المرشح عاطفة الجمهور ويبدأ في سرد قصص وخيالات عن ما ينتظرهم من مستقبل أفضل وبطالة أقل واقتصاد مُبهر، والغريب في الأمر، أن نفس الأشخاص الذين صفقوا وهلّلوا له، واكتشفوا خداعه بعد ذلك، يعودوا مرة أخرى ويكررون نفس السيناريو مع كاذبٍ آخر!
يبدأ السيناريو المُتعاد بتقديم الشخص لأوراق ترشحه على مرئى ومسمع من الجميع، وبعد ذلك يطلِق حملات انتخابية موسّعة تشمل جميع مناطق البلاد، وتتسخ بدلته عندما يصل إلى أفقر المناطق لمخاطبة عقول الفقراء، والتي هي سهلة الاقناع، (ليس جهلا منهم ولكنه ذكاء من المرشح الذي يعرف المدخل المباشر لعقولهم) وتكون تلك الزيارة هي الأخيرة له في مثل هذه المناطق، كالعشوائيات وغيرها. بعدها وفي وسائل الإعلام يبدأ في تقديم مشروعه وخطته المستقبلية للبلاد، ويقُص لنا كيف ستتحول على يديه البلاد من الألف إلى الياء في أقل من المتوقع، وكيف أنه سيكون الحامي الأول للشعب ضد أي شخص يسعى للتخريب والدمار، وكالعادة نصدقه حتى قبل أن نفكر في جدية حديثه.
ما يضحكني أيضا أن بعض ممن يترشحون للرئاسة لم يكن لديهم أي برنامج انتخابي من الأساس ويعترفون بذلك، ويظل اعتمادهم على حديثهم اللبق والذي يدخل سريعا في قلوب المواطنين.
كل هذا أيضا بجانب الهجوم المستمر على المرشحين الآخرين، والاعتقاد أنه كلما انقصت من منافسك، كلما زاد مؤيدينك.
اتكلم عن نفسي، أنا لا أثق في شخص يشوه صورة شخص آخر حتى يصل لما يريد.
دائما اللحظة المنتظرة في الصراع على الرئاسة هي لحظة إعلان الفوز، وهي لحظة شغف وترقّب لما سيحدث بعدها من إنجازات وتنمية في مختلف المجالات، أو هذا ما يظنّه الجميع؛ ولكن تظهر نوايا الرئيس الخفية وحقيقته التي لم نكن نراها وكذبه، وندرك أن شغله الشاغل كان فقط الوصول إلى السلطة والاستفادة الأكبر منها حتى تنتهي مدته المحددة سواء كانت ثماني سنوات أو ثلاثين عاما.
نصدق أكاذيب الرؤساء لأن ما يجعلنا أحياء هو الأمل الذي نعيش عليه ونجدده بين كل حينٍ وآخر، ولكن هذا ليس عذرا، فنحن يجب أن نرتدي زي الحكماء في اختياراتنا، لأن مستقبل بلد وشعب يعتمد على من سيمسك بزمام الأمور.
يجب أن يكون الاختيار نابعا من تحليل ودلائل مرئية على أن هذا الشخص المرشح جدير بأصواتنا. يعِدُنا بالديمقراطية وتداول السلطة وحرية الرأي وعدم تقييد فكر، أو منهج جديد، والالتزام بمبادئ الدولة العادلة، ولكنها وعود بيوتوبيا خفية لم ولن يكون لها تواجد حقيقي على أرض الواقع.
يجب أن نتيقن لحقيقة لن تريح أبداننا ولا عقولنا، وهي أن كل رجل سياسي (رئيس كان أو وزير أو عضو مجلس شعب، إلخ) يكذب.
ولهذا، فقد جاءتني فكرة أو اقتراح جديد لكي نقلل فرصة خداعنا، وهي:
في بداية السنة الأخيرة من حكم الرئيس الحالي لأي دولةٍ كانت، يبدأ المرشحون الجُدد في تقديم أوراقهم، وستكون دعايتهم الانتخابية هي مشروعات يقدمونها للمواطنين؛ فبدلا من أن يدفعوا ملايين الجنيهات على ندوات ومُلصقات وما إلى ذلك، سيقدمون أنفسهم من خلال مشروعات صغيرة في وقت قصير يستفيد منها الشعب، ففي خلال هذه السنة، سيكون كل مرشح، أيا كان العدد، قدّم للدولة مشروعات تفيد المجتمع، مع كامل الدعم من الحكومة، وستكون هذه المشاريع هي أوراق الاعتماد ودليلا كافيا لأي منّا لنعرف من منهم جادّ في نظرته ومن منهم طامع في السُلطة، بالإضافة إلى ذلك، كل المرشحين حينها سيعملون في صالح الشعب بدلا من أن يضيعوا وقتهم في السباب والمنافسة غير الشريفة للانقضاض على المنصب.
هذه السَنة ستعطي الشعب فرصة لأن يرى من بالفعل يريد المصلحة الكاملة والخير المستمر للبلاد؛ فستكون مثل الـ internship للمرشح أو training ليثبت كفاءته للمنصب قبل أن “تقع الفاس في الراس”.