محمد ثروت يكتب: حرية بلا صوت

الدستور هو العقد الذي ينُص على عِدّة قوانين تحدد آليات التعامل بين ثلاثي الدولة وهُم السلطة التنفيذية والتشريعية والشعب.

يُكتَب نص الدستور من خلال لجنة مُكوّنة من أعضاء منتخبين ديمقراطيًا، ويُعرَض بعد ذلك على الشعب في استفتاء لاعتماده كعقدٍ ثابت للبلاد.

مؤخرًا، وخاصةً في الدول العربية، الدستور هو مجرد حبر على ورق لا يُمثّل أي قيمة ولن يُحاسب أحد إذا خالف مواده؛ هو فقط زينة وعامود هَشّ من أعمدة الدولة، ولكنه لا يحمل على عاتقه أي شئ.

ويظل الشعب يحارب من أجل أن توضَع مادة في الدستور تنقذه \”وهميًا\” من شئ ما، ولكن في نهاية الأمر، هي مجرّد قوانين لا تُتّبَع.

من أهم الحقوق التي نبحث عنها جميعًا في جميع الدول، هو حق التعبير الكامل عن الرأي، ويأتي تحته حريّة النشر والنقد وعدم تكبيل صوت الصحافة والتي بدورها تساعد الشعب على استكشاف مواطن ضعف الدولة. فحق التعبير هو حق مُثبَت في الدساتير المختلفة، فمن يأخده على محمل الجد؟

في بلادنا العربية، تطول الصحافة انتهاكات عِدّة تجعل الصحفيين تحت وطأة سكاكين القانون، فقط لأنهم أبدوا رأيهم بكل حرية.

وبالرغم من أن الدستور يعطيهم هذا الحق، ولكن لا حياة لمن تنادي في دول تحترف القمع والاستبداد السياسي، فمِصر واليمن من أكثر الدول التي تُنتهَك فيها حرية الصحافة وبشكل يومي.
ففي جمهورية مصر العربية، يكفل الدستور الحق في التعبير عن الرأي كما جاء في المواد ٤٧ و٤٨ كما يلي:
\”حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني\”
حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها، إلغائها بالطريق الإداري محظور، ويجوز استثناء في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي، وذلك كله وفقا للقانون‫\”. ‬
هذه المواد تأتي بديباجة منظّمة جدا لإقناع الشعب بحرية التعبير عن الرأي تحت حماية القانون أو كما تقول المادة ‫\”‬وفقًا للقانون‫\”‬، ولكن من سيحدد ما الذي سيكون وفقًا للقانون وما سيكون غير مُفصَّل عليه؟

الحكومة المصرية لا تعطي الحق للصحفيين في إبداء رأيهم بشكل عام، وزاد هذا المنهج التعسفي خلال الفترة الماضية، فقد سُجن أكثر من ٨٤ صحفيًا ووُضِعَت حدود عدة للعديد من القنوات والجرائد، هذا بالإضافة إلى اقتحام نقابة الصحفيين والتي من المفروض أن لها حصانة خاصة‫.

تعمل أيضًا منظمة ‫\”‬صحفيون ضد التعذيب‫\”‬ على الحد من الجرائم التي يتعرض لها الصحفي المصري والذي يؤدي عمله بكل شرف؛ فهي أول مرصد إعلامي حقوقي لرصد الانتهاكات ضد الصحفيين في مصر‫.

في تقرير أعدته ‫المنظمة، أوضحت ٩ انتهاكات مختلفة يتعرض لها الصحفيون المصريون، مثل وقائع منع من التغطية، حالات تهديد واعتداءات بالضرب والقبض على بعضهم، وهذا بالطبع مخالف لما هو في الدستور المصري المُعتمد.‬
أما عن اليمن، ففي المادة ٤٢ من الدستور، تنص على أن:

\”لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون\”

لكن هذا أيضًا لا يحدث على أرض الواقع، فقد اهتمت وكالة ‫\”‬سند‫\”‬ المدافعة عن حرية الإعلام في العالم العربي بالانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في اليمن، وسجلت أكثر من ٢٩ حالة اختطاف لصحفيين على يد جماعة الحوثيين. ‬
سجلّت أيضا \”سند\” أكثر من ٩ حالات قتل لصحفيين أثناء تغطيتهم لعمليات عاصفة الحزم وغيرها من الجرائم البشعة التي تعكس صورة الحرية على الأراضي اليمنية‫. ‬
احتلّت مصر المركز الأول في عدد الجرائم ضد الصحفيين والتي بلغت ٢٦٦ جريمة، أما اليمن فقد جاءت في المركز الثاني بعدد ٢١٧ انتهاك ضد الصحفيين‫. ‬
هذه الاحصائيات تدل على أن الدول تضع الشعوب في حلبة المعركة على مواد الدستور، وهي في الغالب لن تعني شيئا على أرض الواقع‫. ‬
فما فائدة الدستور إذن؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top