بأي منطق تحكمون؟ ومن هذا الذي يمتلك معيار التمييز؟ إذا حلت الكارثة بالمسلمين فهي ابتلاء ورحمة، وإذا حلت بغير المسلمين فهي غضب وبطش وانتقام! يتركون كل الأسباب العلمية والمنطقية، ويرفضون التفكير والتحليل ليقدموا لنا صورة حقيرة عن إله صبياني دموي كإله العهد القديم، رغم أن هذا منافٍ تماما لطبيعة الإسلام!
والأمثلة على ذلك كثيرة، فلا أحد ينسى حين هرع المسلمين إلى القرآن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليؤكدوا وجود اسم الشارع الذي يقع به مبني التجارة العالمي في القرآن، وأن القرآن تنبأ وتوعد بأحداث سبتمبر! واحتفوا بالإرهابي بن لادن واتباعه، وكأنهم بدلا من أن يدافعوا عن دينهم وينفون عنه تهمة تبرير هذه الجريمة البشعة التي راح ضحيتها المدنيين الأبرياء، يفتخرون ويؤكدون وجودها في كتابهم المقدس ليعلنوها مدوية: نحن نعبد إلها دمويا يتنبأ لنا بقتل الأبرياء، ويشجعنا على ذلك!! والله ودينه وقرآنه منهم برئ.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فحين اندلعت حرائق غابات الأراضي المحتلة الأخيرة، انطلق المسلمون ليؤكدوا أنها رد من الله على قرار منع الآذان في الأراضي المحتلة ويستشهدون أيضا بآيات من القرآن لتأييد مزاعمهم!
(ومن أظلم ممّن مّنع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين لهم في الدّنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم)
ورغم أن الآية تقول إن العذاب في الآخرة وليس في الدنيا، ورغم أن الآية تتحدث عن منع الصلاة لا الآذان، إلا أنهم يصرون على أن ينسبوا إلى دينهم ما ليس فيه ويلصقون به تهم الإرهاب والتشفي والدموية بمنتهى الغباء والجهل، فالإله الذي تعبدونه انتقم من الأمريكان لقتلهم الأبرياء ولسعيهم في الأرض خرابا وتدميرا بقتل الأبرياء أيضا!
وسكت عن جرائم الكيان الصهيوني ضد الإنسانية ومذابحه وتخريبه للأرض وتشريده للبشر، وغضب فقط حين تم منع الآذان!
فقرر أن يحرق الأراضي التي لا تخص الكيان الصهيوني من الأساس وإنما الضرر الحقيقي يقع على أصحاب الأرض الأصليين، وكأنه ينتقم لنفسه وفقط! وكأنه فتى مدلل حين يغضب يحرق الأخضر واليابس! جل ربي وعلا عما يقولون.
رغم أن حرمة دم المسلم عند الله أعظم من هدم الكعبة، ورغم أن الله عاتب خليله ونبيه إبراهيم عليه السلام حين عنف رجلا لمجرد أنه غير مؤمن بالله، ورغم أن القرآن نفسه يقول إن الله \”بالناس\” لرؤوف رحيم، إلا أن المسلمين يغضون الطرف عن كل ذلك ويتمادون في الإساءة لله وللإسلام بمنتهى الغباء والعند.
ولكن يا تُرى ما سبب هذه الضجة؟
فلربما تكون حرائق الغابات أمرا مستحدثا لم يحدث من قبل؟
لا والله، فالطقس الجاف مع الرياح يتسبب بنشوب الحرائق، وتساعد الغابات على سرعة انتشاره لتكونها من أشياء قابلة للاحتراق، فالأمر إذن ليس خارقا للعادة!
إذا ربما هي لا تحدث إلا في البلاد غير المسلمة؟
لا أيضا، هذا غير صحيح، فهي تحدث في كل البلاد التي تتوافر بها غابات ويأتي عليها طقس جاف مصحوب برياح دون استثناء، فهي تحدث في أمريكا كما تحدث في تونس، وتحدث في لبنان كما تحدث في أستراليا، وتحدث في المغرب وسوريا والجزائر.
إذا ربما هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا في الأراضي المحتلة؟
لا أيضا، فقد حدث حريق مشابه في ٢٠١٠ في غابات الكرمل بالأراضي المحتلة.
إذا فما سر هذه الضجة؟
السر هو في العقل المتواكل العنصري الدموي، الذي صار -للأسف- العقل الجمعي للمسلمين الذي يدعون في المساجد ليل نهار بأن يحترق ويهلك غير المسلمين، بدلا من أن يدعون لهم بالهداية، السر في الضعف والذل والإنكسار الذي يعيشه المسلمون، مما يدفعهم للبحث عن انتصارات زائفة تبعث فيهم الأمل.
ويقودنا هذا الحديث إلى تساؤل هام: لماذا لا يتدخل الله العادل القادر القوي، لينصر المظلوم ويهلك الظالم وينشر العدل على الأرض؟
الإجابة سهلة وبسيطة ونوجزها في محورين:
الأول: لأن زمن الريح الصرصر العاتية وزلزلة الأرض وإبدال المياه بدماء، وإغراق الأرض إلى آخره من معجزات إلهية، انتهى بالمعجزة الكبرى، وهي القرآن.
الثاني: أن من مقتضيات العدل الإلهي أن لا يتدخل في سلوكياتنا وتعاملنا مع بعضنا في الدنيا، حتى يصح له حسابنا في الآخرة، وإلا فإن تدخله بشكل مباشر لإحداث فارق أو تغيير، سيلغي تخيير البشر، ويحولهم إلى كائنات مسيرة، مما يهدم فكرة الثواب والعقاب والامتحان الدنيوي من أساسها ويطعن العدل الإلهي في مقتل.
وفي النهاية، اتبرأ من إلهكم الذي تعبدون واتبرأ إلى الله منكم وأسألكم بحق: من أين أتيتم بإلهكم الذي تعبدون؟!