نسمع دائما عن غرق مراكب الهجرة بشباب دفعتهم أحلامهم وآمالهم في عيش حياة كالحياة والحصول على الحد الأدني من حقوق الإنسان، إلى التضحية بحصيلة بيع مصوغات والدته ومكافأة نهاية الخدمة لوالده وملاليمه التي استحصل عليها بالكد والعرق، ولكن ينتهي به كل هذا إما إلى الموت غرقا أو القبض عليه من الشرطة المصرية أو شرطة الدولة المهاجر إليها، لتستمر مصر في تأكيد درسها الأعظم الذي تلقنه لنا منذ نعومة أظافرنا.. أن الحلم هنا مستحيل حتى وإن كان حلم المغادرة، فلن تغادرها إلا إلى باطنها، أو إلى جوف بحرها.
لكن مركب رشيد الذي غرق بالأمس يفتح صفحة جديدة في تاريخ الهجرة غير الشرعية، حيث كان المعتاد أن من يقدمون على الهجرة غير الشرعية هم الشباب، ولكننا اليوم أمام أسر كاملة.. أب وأم وثلاث بنات، وأب وأم وطفلين، نحن الآن أمام هروب شعبي ولجوء كما الوضع السوري، وهذه رسالة لأصحاب شعار (أحسن من سوريا والعراق).
في أحد اللقاءات مع الناجين من الحادث، وهو أب غرقت زوجته وطفليه؛\”، قال للمراسلة: (ماكانش قدامنا غير إننا يا نوصل ونعيش، يا نموت في البحر، ومش هتفرق لإننا كده كده ميتين هنا)
كلمات هذا الرجل تحمل كل معاني الألم والقهر والعجز، وآخر أُصيب بانهيار عصبي نتيجة غرق زوجته وبناته الثلاث.
الوضع الاقتصادي للبلاد جد خطير، والرئيس ذو الخلفية العسكرية لم تفده خلفيته إلا في منحه قدرة أكبر على سحقنا وسحق أحلامنا، وكل هذه المعونات الخليجية لم تؤت ثمارها، ومؤتمر اقتصادي فاشل، وتفريعة امتصت مليارات كنا في أمس الحاجة إليها، وارتفاع جنوني للأسعار تكون نتيجته الحتمية هي الهرب حتى إلى الموت.
كان على متن هذا المركب ٦٠٠ مصري تقريبا -وفق رويترز- إذا افترضنا على أقل تقدير أن كل منهم دفع ٥٠ ألف جنيه، فعلى أقل تقدير ربح المتاجرون بالبشر في هذا المركب وحده ٣٠ مليون جنيه!
رقم مرعب يفوق أرباح بعض المصانع الحكومية في عام كامل!
إذا، تجارة البشر عمل مُربح في هذا البلد، اتوجه إلى الحكومة بطلب أن تقوم هي بتنظيم رحلات الهجرة غير الشرعية، مادام لا طائل من محاولات إيقافها تطبيقا للمثل القائل: جحا أولى بلحم طوره.
أخي المواطن،إذا كنت هنا ميت وفي محاولات الهجرة ميت، فلتمت على الأقل ميتة كريمة بين أهلك، لتعطيهم فرصة لتوديعك، فلا خيارات هنا سوى أن تموت قهرا بين أحبائك أو تموت غرقا وحيدا.