تم رفع علم الميم الذي يرمز للمثلية الجنسية والعابرين جنسيا ومضطربي الهوية الجنسية في حفل غنائي في مصر فقامت الدنيا واشتعلت الحرب الضروس وتراشق الألفاظ وهتك الأعراض والوعيد بغضب الله وخسف الأرض والحسرة على انهيار الأخلاق وجو من اللطميات والندب على الدين والقيم.
في الحقيقة لم أكن أنوي أن أتحدث عن الأمر لأنني صرت أبغض شرح البديهيات، لكن تلك الضجة المبالغ فيها استفزتني وأجبرتني أن أكتب، فليتسع صدركم قليلا وتتمعنوا ببعض من العقل فيما أقول يا مجتمع الفضيلة الكاذبة.
سأتحدث أولا عن فرقة \”مشروع ليلى\” ولا أخفيكم سرا أن الفرقة تحتل المرتبة الثانية في قائمة العشر فرق الغنائية العربية المفضلة بالنسبة لي، فهم يقدمون موسيقى ليس لها مثيل تسلب اللب وتجبرك على أن تطلق لروحك وجسدك العنان لتتمايل قسرا ثم يخلطونها بكلمات وأفكار هي من القوة بمكان، يغنون عن ما لم يغني عنه أحد من قبل عن الحرية والثورة وحقوق الإنسان، أجل غنوا عن المثلية أغنيتين أو ثلاث أغاني ولا يجب أن نأخذ هذا ملخصا لكل ما قدموا وإن كان هذا لا يعيبهم أن ينطقوا بلسان العاجزين عن النطق، نعم أيضا المغني الرئيسي للفرقة مثلي الجنس وهذا أمر لا يعنينا ولا يعني أحدا على الإطلاق سوى ما يقدمه من فن، فلتنتقد الفرقة على خلفية فنية ومن حقك تماما ألا تعجبك كلماتهم أو موسيقاهم أو حتى أداء حامد الغنائي، ولكن لا دخل لميولهم الجنسية في الأمر.
من رفع العلم ليسوا أعضاء الفريق ولكنهم بعض من الجمهور، الجمهور الذي من الممكن أن يتواجد في مباراة كرة قدم أو حفل غنائي لأي فرقة أو مغني آخر، والذي من الممكن أن يكون جارك أو اخوك أو صديقك أو زميلك في العمل أو هذا الذي يقف بجوارك في زحام المواصلات، الذنب ذنبك إن كنت تتعامى عن وجود المثليين فهذا لا يعني أنهم غير موجودين، فلِمَ كل هذه الضجة وكل هذا الخوف.
الجهل والخرافات أهم عوامل مأساة هذا المجتمع، نحن مجتمع تمييزي عنصري من الدرجة الأولى ضد كل من هو ليس ذكرا مسلما أبيض غنيا.
يخاف المجتمع من الاختلاف ومن التغيير ويعي بكل يقين أنه هش وأخلاقياته هشة وإيمانه الزائف هش، فهو يخشى على هذه الهشاشة أن تحطمها أي نسمة هواء خفيفة، فيقاوم كل ما هو مختلف ويضطهده، الدين المختلف خطر، واللون المختلف خطر، والفكر المختلف خطر، والميل الجنسي المختلف خطر، كل شئ قد يمثل خطرا حتى المكتبات والقراءة خطر محدق، لهذا تسارع الدولة لغلق المكتبات وتحريز الكتب وهذا أمر آخر سنتحدث عنه لاحقا.
سيسارع الكثيرون لغلق باب المناقشات بدعوى أن هذا الأمر محرم دينيا وأنه يهتز له عرش الرحمن، فليكن يا عزيزي فليلتزم من يريد الالتزام وليعصي الله من يريد العصيان وسيجمعنا ربنا جميعا ليوم الحساب ليجازي كل منا على أفعاله، فما دخلك أنت وما الضرر الواقع عليك فهذا هو الغرض من خلقنا، أن نمر بهذا الاختبار فينجح من ينجح ويرسب من يرسب ويومئذ يفرح المؤمنون مع التأكيد أنه لا يوجد أي نص يدلل على اهتزاز عرش الرحمن لأي معصية، ولكنها أساطير تناقلتها الأجيال بكل جهل.
سيكذب البعض الآخر واصفا المثلية بالمرض النفسي أو العضوي رغم أنها غير مدرجة على قوائم الأمراض العضوية والنفسية، بل وأثبتت الأبحاث أنها موجودة عند الحيوانات بل والنباتات أيضا وأن الأمر ميول طبيعية لا دخل للشخص بها.
هل المثلية اختراع حديث إذا؟ لا والله ولكنه الجهل المقيت فالمثلية عند العرب بشكل عام والمسلمين بشكل خاص موجودة منذ الدول الأولى وتغني بها الشعراء وكان للملوك والأمراء خصيان وصبيان وغلمان يتفكهون معهم ويمارسون معهم ميولهم بمنتهى الحرية، وفي مصر الفرعونية أيضا وفي كل الحضارات وعلى مر العصور، ولكننا قوم لا نبحث وإذا بحثنا لا نقرأ وإذا قرأنا لا نفهم.
إذا أنتم تريدون إشاعة الفواحش وممارسة الجنس والمثلية في الطرقات! لا والله يا عزيزي، كل ما في الأمر أننا نريد أن نضمن لكل إنسان الحق في الحياة كما يريد بغض النظر عن لونه أو دينه أو ميوله الجنسية، وأن نتساوى جميعا في الحقوق طالما نؤدي ما علينا من واجبات تجاه المجتمع.
أخيرا، دعوني أطرح بعض التساؤلات الاستنكارية البريئة يا مجتمع الفضيلة:
هل سيخسف الله بنا الأرض وينهار المجتمع ويعم الفساد الأرض بسبب بعض البشر يختارون دينهم أو يمارسون ميولهم الجنسية بحرية، ويمر الأمر مرور الكرام حين نتحرش بالنساء ونكذب ونخون الأمانة ونضرب أبناءنا ونساءنا، ونسرق آبائنا ويمارس بعضنا النصب بارتياح شديد، ونأكل حقوق بعضنا في الميراث، وندفن ضمائرنا ونخدع ونخادع، ويقتل البشر بعضهم في حروب دموية بسبب النفط والأرض والدين واللون والعرق ونستسلم لحكام يظلمون ويسجنون ويشردون دون رادع فلا يهتز لكم جفن، أما أن يرتفع علم لا يرمز للمثلية وفقط ولكنه يرمز للحرية والتحدي والرغبة في الحياة، فهي الطامة الكبرى.
على كل حال عذرا يا مجتمعنا المستقر الخلوق، عذرا يا مجتمع الفضيلة الكاذبة على تعكير صفوكم وتكدير أمنكم وتهديد رخائكم وعدلكم، أكملو نومكم فلا وجود للمثلية ولا المثليين في مجتمعنا المحافظ المتدين بطبعه.
وأختتم بمقطع من أغنية ونعيد ونعيد ونعيد لمشروع ليلى:
فينا نفتح عنينا لما يرموا فيها تراب
قلن لسه شايفين
فينا نرفض ناكل بعض
لو الناس شافت عضامنا
قلن مش جعانين
فينا نزعزع لينهار
القفص اللي صار نار
قولي من شو خايفين
فينا نقاوم ليهلك الخيال اللي حرمنا
قلن لسه صامدين
فينا نحلق فينا نطير
قلن لسه واقفين