محمد النجار يكتب: ولا الضالون.. آمون!

في قرية من قرى إحدى محافظات الريف، كان الإمام يُصلي بالناس، حتى انتهى إلى آخر سورة الفاتحة، فتلا \”ولا الضالون\”
فأمّن نفر غير قليل – ليزيدوا الطين بلة – : آمووووون.
لا يبتعد هذا الموقف كثيرًا ونحن يوميًا أمام مشاهد مماثلة \”بس على كبير\” من أكبر رأس في الدولة إلى محافظيها وأصغر مسؤوليها.

طلع علينا منذ فترة بطلته الباهتة، يخاطب جمهورًا -ربما يكون للكراسي التي يقعدون عليها بكل ثقلهم فائدة عنهم-ما جاءوا إلا لوظيفة واحدة، التصفيق والتصفيق الحاد، المهم.. أنه بدأ يتحدث عن مشروع \”ابني بيتك\”، فما كان من الحضور إلا أن ملئوا القاعة تصفيقًا وضجيجًا، ليفاجئهم بأنه مشروع غير مجدِ، ليصفقوا مرة أخرى! وهنا ليس عليك إلا أن تقول \”سبحان الله، ويخلق ما لا تعلمون\”.
نتابع نحن هذه الأحداث ساخرين متحسرين على ما آلت إليه أوضاع البلاد، بشكل متردٍ للغاية وعلى جميع المستويات.

في سياق متصل بهذا الموضوع، يؤدي طلاب الثانوية العامة امتحاناتهم هذه الأيام، وللأسف وبعد كل هذه الأعوام من 2011 إلى 2016، لم تتغير نظرة الكثيرين من مؤيدي الثورة والتغيير عمومًا تجاه نظام التعليم في مصر ودولة المؤسسات، فرغم أننا نعيش أيامًا كالحة السواد، لا يُعرف لها نهاية ولا مصير، إلا أن هؤلاء المتمسكين بشكلية النظام التعليمي والحصول على شهادة والتخرج، يصممون على المُضيّ في المسار ذاته.. الحديث عنها يتوجه بشكل كبير إلى أولياء الأمور، الذين يقهرون أولادهم ويمارسون سياسات آبائهم – ربما – في قضية التعليم مع أبنائهم، للحصول على شهادة الثانوية العامة والالتحاق بكليات \”القمة\” على حد وصف ساذج، رغم أن المحصلة في النهاية \”لا شيء\”.. لا قدرة على التنافسية.. شهادة من المشرق، وطبيعة سوق العمل في المغرب، ولربما أيضًا تكون المحصلة الاعتقال لسنوات، أو الموت في هذه السجون، أو الموت كمدًا.
لا زالت نفس السرديات الأبدية: إياك أن تترك سؤالًا دون إجابته.. اكتب أي شيء، لا تترك ورقة الإجابة فارغة \”ده في حالة اليأس من الابن\”.
عاوزك تطلع دكتور محترم ولا مهندس شاطر.
ألا يرى هؤلاء أنهم بتك الممارسات والأفكار الحبيسة، لا يختلفون كثيرًا عمّن يجتهدون في التصفيق للكلام ونقيضه؟!
ألا يأخذون في اعتبارهم أن الظروف لم تعد كسابقاتها، فضلًا عن خراب نظام التعليم في مصر؟!
وأغلبهم لا يتركون لأولادهم حرية الاختيار في طريقة التعليم، رغم انتشار وسائل تعليمية ذات جدوى عظيمة وذات شهادات من الجامعات الكبرى، والطلاب بدورهم أصبحوا مدركين لهذا الانحدار الشديد، لكنهم أيضًا ما بين متخوف من ترك نظام التعليم المصري، وعدم الحصول على غيره لسبب أو لآخر، وأولياء أمور يسلطون سيف التعليم المصري على رقاب أولادهم.
لو حاولنا فقط أن نصارح أنفسنا بممارساتنا وتخوفنا من مجرد الابتعاد عن نظام مهترئ، لوجدنا حقيقة أننا لا نختلف كثيرًا، عن من أمَّن خلف الإمام، دون وعي أو تنبه لعظيم خطأه، ولا يزال الرجل يخطئ ويخطي، حتى صار إمامنا الراكب.
فقط نذكر.. أن مصر حلّت في المركز 139 ضمن 140 دولة، في التصنيف العالمي لجودة التعليم، والمثير أكثر للسخرية، أن مصر عقدت بروتوكول تعاون في مجال التعليم مع غينيا، التي جاءت في الترتيب الأخير!

أدرك أن الإشكالية كبيرة، لكن غالبيتنا لا يسعى إلى محاولة الفكاك منها ومن رواسب الماضي العفن بكل ما فيه.
أدرك كذلك أن الخلاص من هذه القيود والبلايا لن يكون إلا بإزاحة المنظومة الخربة المهترئة، بنظامها، بمسؤوليها، بالقائمين عليها، برعاتها، بالثورة التي لابد أن تكون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top