محمد إبراهيم عجاج يكتب: أنا وأبي ومجلة العربي

وبعد ساعات طويلة, من الكسل والخمول والنوم المتقطع, حتى قارب اليوم على الانتهاء؛ وآذان العصر قد حان، فوجدت الحل في الخروج من هذا الجو الكئيب الملئ باللاشيء, هو أنني آخذ دش, وأعد لنفسي كوبا من القهوة المظبوطة, وأحاول أن أجد شيئا أفعله, وأتخلص من هذا الإحساس البائس بتضييع الوقت, وقد علمت بأن الآن هو ميعاد درس أخي؛ وحضور مدرس الرياضيات, والجلوس في غرفتي, لمدة ساعتين, من الدوال ومساحة الدائرة ط نق2 وغير ذلك!

أتعجب من هذا الأستاذ الذي يجعل الحصة ساعتين, في حين أن غيره يكمل ساعة بالعافية! ادعو الله أن يجزيه خيرا, ويفتح مخ أخي ليفهم جيدا, ويقتنع بأن اللهو واللعب لا فائدة منهما, وأن العلم هو ما ينفع الإنسان, فكثيرا ما كان أبي يقول لي ذلك, وهو الآن يقول له أيضا!

أعددت كوب القهوه المتين, وسحبت مجلة العربي (الكويتية) من مكتبتي, وقررت الجلوس في البلكونه حيث النسمة الشتوية العذبة, والجو مناسب تماما للقراءة.

دخلت البلكونة، فوجدت أبي جالسا على الكرسي الذي أعددته سابقا لهذه الجلسة, دعاني للجلوس, وقد همّ بتركي (لأنه مرتبط بميعاد)، واحتراما مني وتقديرا، فقد رفضت, ولكنه فعلا ترك لي الكرسي الوحيد في البلكونه ونوى النزول, ولكنه توقف عندما لمح معي المجلة (مجلة العربي الكويتيه!), فوجدته يبتسم وأشرق وجهه؛ كأنه وجد صديقا قديما, يذكره بأيام الصبا والزمن البعيد الفائت, أمسك المجلة, وجلس على الكرسي مرة أخرى, وبدأ في تصفحها من الداخل والخارج, وفي عينيه نظرة حنين للذكريات الفائتة, فأنظر إليه بنظرة متسائلة، فيرد علي نظرتي ويقول بإنه في مثل سني كان يشتري هذه المجلة, فهي مجلة كويتيه تصدر من عدة سنين، فأقول له بإن سعرها لا يتعدى الجنيه ونصف! فيرد ضاحكا: على أيامنا كانت بـ 10 قروش! ولكنها على أي حال قيمتها كبيرة ونفعها عظيم.

فقلت له بمكر ودهاء: عرفتها من على النت، وقررت أن اشتريها، فنظر لي بإعجاب وهز رأسه، وأتمنى أن يكون قد اقتنع بأن النت قد يجلب المنفعة حتى يدفع الفاتورة بصدر رحب وحماس!

بدأنا في نقاش حول تاريخ هذه المجلة, وكيف أنها شكلت وعي كثير من الناس, وساهمت في التنوير, وحاربت الجهل والرجعية، بنشرها للعلم والمعرفة.

استمر الحديث وطال, وبقي يقول لي وأنا اقول له (على رأي أم كلثوم!)، فتكلمنا عن نجيب محفوظ وأدبه، فوجدت الحاج قارئا قديما له ويعرف عنه الكثير!

الجدير بالذكر والبيان؛ أن الكويت تحتفل هذا الشهر باختيارها عاصمة للثقافة الإسلاميه لهذا العام 2016. الكويت تحتفل والعبد لله يحتفل؛ احتفالي بظني أن الوالد يكون قد اقتنع –أخيرا- بأن للنت منافع عديدة, وجلوسي عليه بالساعات ليس مضيعة للوقت، ولا إهدارا للصحة!

النت أو الإنترنت يمكن استغلاله بصورة جيدة، وقد يكون مفتاحا للثقافة والمعرفة، إن أردت أنت ذلك!

والأهم من هذا كله، أن هذه المجله استطاعت أن تجمع شمل جيلين كثيرا ما كانا يتنافران ويتشاجران حول أمور كثيرة, فمثلا هو يرى أن عليّ أن أزور أقاربي أولا بأول, وأهتم بالمناسبات العائلية, وأكون ودودا أو (ثرثارا) عند الجلوس مع باقي الفاملية جميعا! وعندما أرفض أو أتكاسل يتهمني بأني أعصي أوامره.

غلبت أفهمه أنه يا حاج ليس عصيانا ولا تمردا.. هو فقط حب العزلة, وتجنب صخب الزيارات العائلية المليئة بالولاحاجة! لكنه لا يتفهم الرأي ويغضب!

وطبعا, كله كوم والكلام في السياسة كوم (والتي بسببها قد نتخاصم ونرمي بعضنا بزجاجات المياه الفارغة!) نقاشات لا أول لها ولا آخر، والمعارضة مستمرة.. مفيش حاجة متفقين عليها أبدأ.

لذلك فأنا ممتن لهذه المجلة السحرية التي استطاعت أن تفتح حوارا بيني وبين الوالد، أظنه لن ينتهي.. حوار له قيمة, أليست القراءة والكلام عن الكتب أهم وأنفع وأمتع من الكلام في السياسة؟ّ!

أليست القراءة أهم وأفيد من الجلسات العائلية التي تنتهي بالسؤال الممل: ها بقى مش هتخطب ونفرح كده بيك!

وفي النهاية, وقبل أن يذهب ليلحق بميعاده, قال لي بنبرة أب يخاف على مصلحة ابنه: احرص على القراءة, ولا تهمل دراستك, اجعل التوازن شعارا لحياتك, وتزود من كل شئ نافع, وتوكل على الله!

وهكذا, بدأت في رسم خطة للقراءة, وحاولت جديا وبكل ماأوتيت من قوة أن اسير عليها, حتى تتجدد الأحاديث بيني وبين الوالد العزيز (وحتى لا نخلص بعد الكلام كله!)  وحتى تكون هناك حجة معقولة عندما يذكرني ويأمرني بالزيارات العائلية (أنا باقرأ يا بابا ومش فاضي!).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top