محمد أبو شنب يكتب: السجن بغلاف أخضر

(1)

في زيارته الأخيرة للقاهرة كانت تصحبه زوجته التي لا تحمل الجنسية المصرية. العلاقات بين مصر وبلد الزوجة تدعو للتشكك في كل القادمين من تلك البلاد. لنتابع الرحلة من بدايتها. في بلد الزوجة يعامل الزوج المصري، والذي لا يحمل سوى الجنسية المصرية معاملة مميزة بالمطار، الدخول عبر بوابات المواطنين ومعاملة جيدة كصاحب سفر لمواطن. بمجرد دخول مطار القاهرة، استوقفهم طابور طويل من المراجعين.. تقدمت هي بجواز سفرها ومرت عبرت البوابات بمنتهى السلاسة مرحبا بها.. تقدم خلفها بخطوات ثابته.. طلبت منه موظفة الجوازات أن يتنحى جانبا وينتظر أمام غرفة الأمن الوطني.. توجد حالة اشتباه. عدة ساعات قضاها بين مجموعة من الشباب القادمين على نفس الرحلة.. توجهات ثقافية مختلفة، لمح الصليب مرسوما على يد أحدهم، أي أنه لا شبهة بالتورط في الانضمام لجماعات محظورة، وأخيرا تم النداء عليه وتسليم جواز السفر المصري مع ابتسامة لزجة.
(2)
اركب التاكسي.. اقضي بعض المشاوير.. لا اعلم من أين يأتي تخمين غالبية سائقي التاكسي.. حضرتك سعودي؟ احتفظ بلهجتي الصعيدية في غالب حواري.. تداخل اللهجة مع الشكل يقود ذكائهم دوما لاستنتاج أني سعودي الجنسية.. أيوة أنا سعودي من أبها، لكن اتعلمت بمصر وعشت فترة طويلة.. أجد معاملة جيدة وتأكيدا دائما على رسوخ العلاقات المصرية السعودية ودور الملك –الذي لا يتذكر اسمه غالبا- وعاشت الوحدة العربية.

(3)
لرحلة عاجلة لمدة يومين للقاهرة، نزل صديق مصري يقيم في كندا ضيفا على فندق من الفنادق الكبرى.. معاملة جيدة في البداية لنفس الاستنتاج، بمجرد أن تبين أمن المكان جنسيته الحقيقية، وأنه مجرد ذكر مصري، بدأت المعاملة اللزجة اثناء دخوله وخروجه من باب الفندق الرئيسي.. زادت هذه النظرة الاستنكارية عندما صحب صديقته بصحبته إلى غرفة إقامته بالفندق.. مش مسموح يا أستاذ، الحق أقول لكم إن عشرين جنيها فقط، كانت كفيلة بمنحه الباشوية في المرات اللاحقة، وطوال فترة الإقامة دون سؤاله عمن بصحبته.

(4)
المصريون العاديون يعاملون بعضهم البعض معاملة سيئة.. بمجرد أن يلمح أحدهم أنك تبدو غريبا على المكان، أو أن يقرر هو بملأ إرادته منحك جنسية أخرى، يعاملك بأسلوب أفضل. لا اعلم السبب.. قد يكون طمعا في كسب مادي.. بقشيش أو ما شابه.. ظني أنها نوع من تجميل الصورة، حتى من لا تربطك بهم مصلحة مادية أو منفعة، يبدأ في ذكر حسن العلاقات بين مصر وموطنك المتوهم.

في الأقصر مدينتي الجنوبية، حيث السياحة تعاني من حالة ارتباك شديدة وتدهور، لا استطيع أنا ابن المدينة من دخول فنادقها بالسهولة المعتادة.. استطيع أن اسافر إلى اي مدينة في الدنيا، وادخل كل فنادق الأرض، اطلب وجبتي المفضلة وبعض القهوة، ما عدا فنادق المدينة التي أنا أحد ابنائها.

على أرض مصر تستطيع أن تعيش بأفضل حال، ما دمت لست واحدا من أهل مصر.. تستطيع أن تنعم بالحرية في مأكلك ومشربك وملبسك، حتى وإن خالفت قانون الأرض، فدائما بوابات الخروج مفتوحة أمامك.
(5)
آه.. نسيت أن أقول لكم.. تفتح لك أبواب الخروج إلى سماء الحرية، ما دمت تحمل جنسية بلاد أخرى، وبإمكانك أن تتخلص من حمل جواز سفرك المصري الأخضر بنسره المجنح.
المسئولون المصريون بالأساس هم مواطنون.. لهم نصف الصفات وأساليب التعبير. يسمح القانون المصري بترحيل الأجانب، ليتم محاكمتهم في بلادهم، يتم ترحيل الكثيرين، لكن أن تتخلى عن جنسية موطنك الاصلي لتلقى محاكمة منطقية وعادلة، هو بالفعل حكم قاس يصدره أحدهم على نفسه من أجل أن ينعم بحريته.
(6)
بالامس خرج محمد سلطان ابن الداعية الإخواني صلاح سلطان، بعد أن تخلى عن جنسيته المصرية، ليتم ترحيله إلى أمريكا، ليتلقى العلاج ويلقى الحرية، هي هزيمة نفسية لم يجبره عليها سوى سوء ما لاقى طوال مدة سجنه وامتناعه عن الطعام. المدهش أن أجد من يدعي انتصاره، وأراهم يهنئونه، وكأنه بفعلته انتصر.. إن كنا نفرح بأن يتنفس كل سجين نسائم الحرية – حتى وإن كان مدانا بعد إنهاء عقوبته- لكن لنعزي أنفسنا جميعا، حين نقر بأن الغلاف الأخضر هو سور لسجن كبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top