جاء الإعلان الرسمي عن اختيار وزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط لشغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية بمثابة صدمة للكثير من المتابعين والمهتمين بالعمل العربي المشترك.
فمن المؤكد أن أبو الغيط الذي يعتبره البعض أسوأ وزراء الخارجية فى تاريخ مصر، لن يكون البديل الأفضل للدكتور نبيل العربي الذي يصنف ضمن أفضل القامات الدبلوماسية التي أنتجتها الخارجية المصرية.
تاريخ أبو الغيط خلال توليه وزارة الخارجية إبان عهد مبارك لا يدفع بإتجاه أى تفاؤل بشأن مستقبل الجامعة، بل على العكس تماما، فالواقع يشير إلى أن الجامعة العربية التى تعاني من موت سريري وتحتاج لثورة شاملة لإعادتها للحياة ستلفظ أنفاسها الأخيرة وسيتم تشييع جسدها المترهل إلى مثواه الأخير على يد الأمين العام المنتظر.
فبنظرة سريعة على التاريخ الدبلوماسي للسيد أبو الغيط إبان توليه وزارة الخارجية، سنكتشف أن السياسة الخارجية لمصر في تلك الفترة كانت ضمن مهام السيد عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات وسط حضور شكلي لأبو الغيط.
تصريحات أبو الغيط أثناء توليه وزارة الخارجية المصرية كفيلة بتجريده من أى منصب دبلوماسي ومنعه حتى من المرور بشارع جامعة الدول العربية، وليس تولي أمانتها العامة.
– في إحدى المؤتمرات الصحفية التي جمعته مع كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في إحدى زياراتها لمصر في 2005، وبعد الانتهاء من المؤتمر وجه أبو الغيط حديثه إلى كوندي قائلا: هل أعجبكم كلامي، أم أنكم ستقومون بإقالتي من منصبي؟!
وقوبلت هذه التصريحات بالاستهجان الشديد ووصفها المتابعون بغير المسئولة، وهو ما جعل أبو الغيط يعلن أنه كان يمزح! دون أي اعتبار لرصانة الوضع الدبلوماسي الذي من المفترض أن يلتزم به.
– في مؤتمر آخر جمعة ووزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، وبعد أن أومأت له بانتهاء المؤتمر الصحفي بينهما، قال لها أبو الغيط: نعم كما تشاءين، وعندما بادرته رايس برد دبلوماسي منطقي إن الأمر متروك لك، قال أبو الغيط معترضا لا لا لا إنني رهن تصرفك!
– في 20/7/2007 وفي زلة غير دبلوماسية واضحة، قال أبو الغيظ أثناء تعقيبه على قرار لجنة الاعتمادات في مجلس النواب الأمريكي تعليق مائتي مليون من المساعدات الأمريكية لمصر، حتى تشهد وزيرة الخارجية الأمريكية أن هناك ثلاث نقاط تم استيفاؤها، وهي النقاط التي تتعلق بإصلاح النظام القضائي وحقوق الإنسان وإعادة تأهيل الشرطة المصرية. وعلق أبو الغيط باللهجة العامية المصرية قائلا: \”طيب وأنتم مالكم؟ لو عاوز أعمل إصلاح حاعمل\”!
– أما أشهر مواقف أبو الغيط فكانت مع الفلسطينيين، عندما صرح في حواره مع التليفزيون المصري في فبراير 2008 بأن من سيكسر خط الحدود المصرية هكسر رجله! وفي نفس الحوار وصف صواريخ المقاومة أنها كاريكاتورية ومضحكة!
كل هذه التصريحات والحوارات البعيدة كل البعد عن الدبلوماسية، هي ما جعلت كاتبا كبيرا بحجم فهمي هويدي يعلن في إحدى مقالاته أنه يضع يده على قلبه عندما يتحدث أبو الغيط.
ولم يتوقف الأمر عند عدم قدرة أبو الغيط على الحديث بدبلوماسية بدلا من لغة التجار والمعلمين التي كان يستخدمها، إذ لو كان الأمر كذلك لهان الوضع نوعاً ما، ولكن أبو الغيط جمع بين عدم القدرة على الكلام، وعدم القدرة على الفعل، فوزارة الخارجية التي من المفترض أنها وزارة أبناء الذوات وأصحاب الياقات البيضاء، لم تشهد طوال عهودها كما من القضايا المتبادلة بين الوزارة وسفرائها بالخارج، مثلما شهد عهد أبو الغيط، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تم اتهام سفير مصر بالأكوادور بالاستيلاء على المال العام، ووصفت الصحف الأكوادورية آداء البعثة المصرية بأنها ترعى حفلات الرقص الشرقي وقراءة الفنجان!
كما تم تنحيه سفير مصر السابق في جيبوتي بعد اتهامات أخلاقية له من الوزارة، كما تم اتهام قنصل مصر العام في فرانكفورت بإهدار سبعة ملايين جنيه من المال العام!
كما شهد عهد أبو الغيط أكبر كم من الاعتداءات والإهانات التي تعرض لها المصريون في الخارج، فمن جلد أطباء مصر في السعودية، إلى تعذيب المصريين في الكويت، وإحراقهم في ليبيا.. قائمة طويلة من المعاناة عاشها المصريون في الخارج، دون أن يجدوا من يدافع عنهم، بعد أن تم تشييع الخارجية المصرية وسفارتها إلى مثواهم الأخير على يد أبو الغيط.
ما سبق كان سردا سريعا وبسيطا لما وصل إليه حال الدبلوماسية المصرية في عهد أبو الغيط خلال حكم مبارك، وهو الأداء الذي يبشر بمستقبل أسود على الدبلوماسية العربية قد ينتهي بإعلان وفاة الجامعة نهائيا، والقضاء على أى بصيص أمل فى عمل عربي مشترك.
وبعد كل هذه السنوات من الفشل الدبلوماسي خلال توليه منصبه الوزاري، والتجميد عقب ثورات الربيع العربي، يخرج أبو الغيط من الثلاجة كمرشح لمصر فى منصب أمين عام الجامعة، وكأن القاهرة تريد القضاء على ما تبقى من وحدة العرب الشكلية.
اعتقد أنه آن الأوان لتدويل منصب الأمين العام للجامعة فى ظل عجز دولة المقر عن ترشيح من يستحق، فليس الهدف أن يكون الأمين مصريا، بقدر ما نسعى لرجل قادر على إحياء عظام أمة طال رقادها.