مترجم: دونالد ترامب ونهاية العالم

ترجمة: يوسف أبو عالية

هل تمثل روما حقا الهدف الأقصى للدولة الإسلامية؟

هل يمتلكُ دونالد ترامب فهما راسخا لمفهوم نهاية العالم عن تنظيم الدولة الإسلامية؟ هذا سؤال لم يضطر أحد إلى طرحه حتى الأسبوع الماضي حين أطلق البابا فرانسيس العنان لقدراته التكفيرية الداخلية مصرحًا بأن أي شخص يفضّل ضرب الأسوار على بناء الجسور \”ليس مسيحيا\” (لم يذكر ترامب بالإسم ولكنك تفقد شيئا واحدا حين تتصور أن البابوية تعطيك القدرة على التعريض بسلام)، ردَّ ترامب خلال دقائق في حديث ألقاه ببلدة كياوا أيلاند (كارولينا الجنوبية)، فقال أن الفاتيكان هو «الهدف الأقصى للدولة الإسلامية» وأن البابا ينبغي عليه أن يسأل الله حماية ترامب، وتنبأ ترامب في خطاب حافل بالأخطاء النحوية أن «تنظيم الدولة الإسلامية سيهاجم الفاتيكان، وأعدكم بأن البابا سيدعو ويتمنى لو كان دونالد ترامب رئيسا لما كان لهذا أن يحدث».
يختلف السردُ الإسلامي لنهايةِ العالم عن الأبوكاليبس المسيحي، كما أن الكثير من المسلمين ليسوا على دراية بنبوءات عقيدتهم إزاء هذا الأمر، ولذلك يُعد سوءُ الفهم الظاهر لدى ترامب أو جهله جزئيا بعنصر أساسي في أيدولوجية الدولة الإسلامية أمرًا مفهومًا، وبالطبع من المذهل إدراك رجل مثل ترامب لأهمية «روما» في النصوص المقدسة الإسلامية، ولكن ادعاءه أن روما هي الهدف الأقصى للدولة الإسلامية يستحق التصحيح إن كان يظنه ادعاءً حقيقيا ولا يحمله كمجرد وسيلة ظريفة لجر شَكَل البابا.
تعد كلمة (روم) العربية قريبة من الكلمة الإنجليزية (Rome) وعادة ما تترجم هكذا، على الرغم من أن مدينة (Rome) الإيطالية تكتب عامة في الخرائط الحديثة بإسم (روما)، وتظهر الكلمة في القرآن وفي الأحاديث النبوية فتترجم إلى (Rome) الإنجليزية، وتشمل هذه الأمثلة نبوءات المعارك التي ستُخاض ضد جيوش الروم في آسيا الصغرى وفي (القرية السورية الشهيرة) «دابق» التي استوحت منها الدولة الإسلامية اسمَ مجلتها:
«لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق (منطقة تتبع أنطاكيا جنوب تركيا) أو بدابق فيخرج لهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ» [صحيح مسلم 2897]
وتعزف الدولةُ الإسلامية باستمرار على أوتارِ سلسلة المعارك هذه، فلن يخرج المسيخ الدجال ولن تعصف الفتن بالعالم ولن ينزل عيسى (يسوع) إلى مدينة \”الناصرة\” لينقذ الأرض إلا بعد وقوع هذه المعارك، وتقدم هذه القصص لمؤمني الدولة الإسلامية ستارة خيالية تزيد من درامية ما لا يتعدى كونه مجرد حرب أخرى بشعة في الشرق الأوسط.
وذكر أبو محمد العدناني حديثا آخر في واحد من أشهر خطاباته:
«وسوف نفتح رُوماكم، ونكسر صلبانكم، ونسبي نساءكم، بإذن الله تعالى، فهذا وعده لنا سبحانه، لا يخلف الميعاد، إن لم ندركه نحن فسوف يدركه أبناؤنا أو أحفادُنا، ويبيعون أبناءكم في سوق النخاسة عبيدا.

عن عبدالله بن عمرو بن العاص –رضي الله تعالى عنهما– قال: \”كنا عند رسول الله – صلى الله عليه و سلم – نكتب ما قال، فسُئل: أي المدينتين تُفتح أولا؟ القَسطنطينية أم رومية؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (مدينة هرقل تفتح أولا). يعني القَسطنطينية رواه الحاكم في مستدركه، على شرط الشيخين و صححه الإمام الذهبي».
في بعض الأحيان تشجع بروباجندا الدولة الإسلامية على تبني قراءة بسيطة لكلمة «روم» تشبه قراءة ترامب لها، ففي العام الماضي هددت ولاية طرابلس التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية مدينة روما بشكل علني، وفي مقطع فيديو يصوّر ذبح 21 قبطيا في لحظة واحدة توقفت الكاميرا على مشهد الدم المسيحي الممتزج بمياه البحر المتوسط، وبعد فترة وجيزة بدأ أنصار الدولة الإسلامية على وسائل التواصل الاجتماعي استخدام هاشتاج #نحن_قادمون_يا_روما (حتى التقطه الإيطاليون وواجهوه بالسخرية وبإسداء نصائح سياحية للمقاتلين عند وصولهم إلى روما تتعلق بمطاعمها وازدحامها المروري)، وأنتج المكتب الإعلامي لولاية نينوي فيلمًا في ديسمبر يصوّر دبابات تحمل أعلام الدولة الإسلامية وتجتاز الصحراء لتحتل مدرج «الكولسيوم»، ومن بعيد يظهر متحف «فيتوريانو».
ثمة ميل إلى الالتزام بالمعنى الأصلي للنصوص [يشبه موقف القاضي أنتونين سكاليا مؤخرا من الدستور الأمريكي] عند تأويل النصوص المقدسة: حدد ما كانت تعنيه «روم» وقت نزول الوحي القرآني على محمد وستعرف المعنى الوحيد الصحيح لها (القياس على الأعراف القانونية الأمريكية لا يخلو من العيوب ولكنه سيقوم بالمهمة)، لكن الإسلام به من يشبهون القاضيين الليبراليين جينزبرج وبراير وسيسألون الأسئلة الواضحة: هل هذه النبوءات التي تتحدث عن «روما» تقصد نفس البلدة التي يعرفها تاجر عربي أمي عاش في القرن السابع؟ أم أن النبوءات تعد نصوصًا حية وتحتاج إلى إعادة تأويلها من وقت إلى آخر؟
لو أننا التزمنا تمامًا بما كان يعنيه محمد حين تحدث عن \”رومية\” فلن يمكننا تفسير الكلمة بسهولة على أنها تعني العاصمة الإيطالية الحديثة ذات القيمة الجيوسياسية التافهة، وعلى الأرجح أن \”رومية\” لم تكن تشير إلى مدينة \”روما\” على الإطلاق وإنما إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) والتي كان مركزها القسطنطينية، ووفقا لهذا التفسير فإن روما المعروفة بأطباق الاسباجيتي وفيلم لا دولشي فيتا ليس لها أي علاقة بكلمة الروم، ومن ثم فإن تهديدي ترامب والدولة الإسلامية يستندان ببساطة إلى قراءةٍ خاطئة.
ولكن هذا يترك المؤمنين في مأزق من نوع آخر، فالإمبراطورية البيزنطية قد سقطت عام 1453 ولم تعد موجودة ليحاربها أحد، إن هذا يشبه تنبئا من محمد بمباراة بين نادي بروكلين دودجرز (الذي لم يعد لإسمه هذا وجود منذ الخمسينيات) ونادي نيويورك يانكيز في نهائيات كأس العالم 2020، وهنا تصبح الأمور من باب الغيبيات، إذا كان محمد غير مخطئ فكيف سيكون محقا إذن؟ ثمة طريقة للتعامل مع هذه العقبة، عقبة عدم وجود \”روما\” في أذهان القرن السابع الميلادي، وهي أن نسأل ما هو الكيان الذي يمثل الروم حاليا، اقترح بعضُ المتكلمين بأحداث نهاية العالم أن الروم قد تكون الآن متمثلة في حلف الناتو أو «الغرب» أو أمريكا أو روسيا أو أي كيان آخر.
أبدى أحد المنظرين القريبين من الدولة الإسلامية ممن أجريت معهم حوارا ضمن موضوعي في مارس 2015 اهتماما نادرًا بهذا السؤال، ففي العام الماضي نشر موسى سيرانتونيو -مسلم أسترالي- كتيّبا يزعم فيه الإجابة على سؤال \”من هم الروم؟\” بشكل قاطع، فتطرق إلى إمكانية تحديد مدلول الكلمة عن طريق إيجاد الكيانات التي تعيش في نفس الرقعة الجغرافية التي سكنها البيزانطيون أو تستخدم لغتهم أو تنحدر من سلالتهم أو تُحكم بنفس نظام الحكم السياسي، ولكنه رفض كل هذه الاحتمالات معللا ذلك بأنه حتى في العصور الأولى للإسلام تغيرت أراضي الإمبراطورية البيزنطية ولغتها وأنظمة حكمها كثيرا دون أن تتغير أبدًا كلمة \”روم\”، وبالتالي فلا أن يكون جوهر مدلول \”الروم\” أعمق.
ويلاحظ سيرانتونيو أن العثمانيين، الذين هزموا البيزنطيين، قد ارتضوا التسربل بعباءة الروم بشكل صريح، وأطلق السلطان على نفسه لقب \”قيصر روما\” وآمن أنه كان يؤسس الإمبراطورية الرومانية الثالثة، وحين سقطت الدولة العثمانية عام 1924 تاركة العالم الإسلامي دون خليفة أصبح الجمهوريون العالمنيون -أتباع أتاتورك- هم ورثةَ الحكم، وهؤلاء الورثة لا يزالوا يسودون اسطنبول وأنقرة ويعتبرهم تنظيم الدولة الإسلامية كفارًا بما فيهم الوريث الحالي، رجب طيب إردوغان، الذي يحتسبه غير المنتمين للتنظيم قائدًا إسلاميا.
وهذا يعتبر حلا للمسألة عند سيرانتونيو، فرومية في حديث النبي ليست روما التي يعيش فيها البابا فرانسيس وإنما تتمثل في الجمهورية التركية، وبعد أسبوعين تقريبا، حين عبر الجيش التركي الحدود القريبة من مدينة حلب السورية إلى بلدة «أعزاز» كتب حساب مؤيد لنظرية سيرانتونيو هذه تغريدة يعرض فيها الخبر بحماس، فأعزاز تقع في المنتصف بين «دابق» و«الأعماق» وهي المنطقة التي من المفترض أن يلتقي فيها الروم والمسلمون في الموعد المحدد بالضبط.
كلام سيرانتينو إزاء هذا الموضوع ليس نهائيا حتى عند المتحمسين للدولة الإسلامية، فالله وحده يعلم ما تعنيه كلمة \”روم\”، ولكن هذه الجدالات والأسئلة تعطي لمحة عن اتجاه مناقشة الدولة الإسلامية للنبوءة، فهم لا يتناقشون حول «لو» وإنما حول «متى وأين ومن؟» ولا يزال النقاش محتدمًا ويَجمَعُ المشاركون فيه الأدلةَ من النصوص المقدسة والتاريخ واللغة والعلوم الأخرى ليعضّدوا نظريتهم إزاء أحداث نهاية العالم، وتفسير ترامب للروم -محددا إياها بالمدينة الحديثة وبأنها هدف رئيسي للدولة الإسلامية- إنما يقرأ نبوءات داعش المفضلة بشكل أشد حرفية من قراءة بعض أتباعها لها.
إن أخذ مزاعم داعش الدينية على محمل الجد لا يعني قراءتها بتبسيط مفرط والحقيقة أن قراءة هذه النبوءات باستهتار قد يكون أشد خطورة من عدم قراءتها على الإطلاق، لقد لاحظ الكثيرون نبوءة دابق واقترحوا أن تنفذ الولايات المتحدة رغبة داعش وتواجههم هناك على أرض المعركة لتسحقهم وتوضح للجميع أن تأويلهم الديني غير صحيح، ولكن من قضى بعض الوقت يراقب عقلية المتطرفين دينيا سيعلم أن تأويلاتهم تكون متزمتة أحيانا ومرنة أحيانا أخرى، فمن المرجح أن يؤدي فشل نبوءة ما إلى إعادة تفسيرها بدلا من رفض كافة النبوءات الأخرى، وهوس بعضُ عناصر الدولة الإسلامية بغزو العاصمة الإيطالية وحماس آخرين إلى ملاقاة الجيش التركي في سوريا -اعتمادا على نفس النصوص المقدسة- إنما يظهر أن هذا عدو لا يمكن تلخيص أيدولوجيته أو استخدامها ضده، ولكن إذا كان هدفك الرئيسي استخدام تبسيطٍ فادح لتلك الأيدولوجية من أجل التهكم على البابا فإن هذا التبسيط سيقضي الغرض بلا شك.
لقراءة الموضوع الأصلي.. اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top