هناك، بعيدا عن هنا، عن أي مكان، توجد أرضي، حيث لا زرع، لا ماء، فقط صحراء ممتدة، تسير فيها قوافل أجدادي، تتساقط فيها الجمال، والرجال، وتموت فيها النساء واقفة.
دمى من الملح، تتشكل من رياح لا تقوى على الطيران، فتسقط مكانها، ورمال، ترفض الثبات، فتصبح دوامات تبتلع الهواء.
هناك، بعيدا عن هنا، حيث اللاشيء، توجد أرضي، تسطع عليها آلاف النجوم، المتقزمة، وترتسم في سمائها ثقوب تبتلع الزمان، ومع كل التاريخ الذي سُطر في مئات السنين.
حيث السكون، والجمود، والموت المنتظر، في ملل، مرور أي أحياء.
لا آذان تستمع للشكوى، لا عيون ترأف بما يعتمل داخلك، مجرد معدن بارد، ينظر إليك في ضجر، أن مُر، ولا تطلب الابتسام.
هناك بعيدا عن هنا، حيث كل الآباء، ينتظروني، أن أرسل لهم سلاما، غير منقوص، وموسيقى إشتاقوا إليها، ولم تعد تصل لأفئدتهم.
يجلسون متجاورين، يعدون حبات الزمان، في مسبحة لا متناهية الأعداد، ينسون ما عدوا، فيعيدوا من البداية، ما حسبوا، فتختلط الأرقام في رؤوسهم، ويرسمون على الرمال، ما حفظوا، فتمحى من جديد.
هناك حيث اللازمان، الصحراء، وجبال الملح، يتسلقها العجائز الراحلين عنا، فتدمى أقدامهم الجافة، وتتشقق جلودهم، يبحثون عن الماء، عن الذكريات، عن رغيف الخبز مع طبق الفول، والسيجارة السوبر، وكوب الشاي، المر، حسب أوامر الأطباء.
هناك ينتظرني الجميع، في سأم، أن أمر، أن أعود إليهم، أن يعودوا إلينا.
هناك بعيدا عن هنا، بلا مأوى، تتعرى العيون، وتتساقط الجلود، وتبحث الأطفال عن أثداء أمهات، لم يعدن من رحلة الصباح، ولم يغلقن الأبواب، ويدثرن أبنائهن، طابعات على جباههم قبلة المساء.
سيداتي ساداتي:
كلنا في التيه، كلنا في الصحراء، كلنا أموات، لكن بعضنا لم يدرك ذلك بعد، وبعضنا أحب الانكار، فاتخذه وطنا، وملاذا، وبنى له من أمل كاذب بيتا، بلا سقف ولا جدران.
مرت اللحظة، ولم يعد هناك من مأوى، ولم تعد تجدي الكلمات.
فلنستمر لنموت، ولنستمر لننكر، ولنتباكى على أموات، وجثث غارقة، وجثث ستعلق لها المشانق، وترمى في الصحراء، متناسيين أننا الأموات، في وطن غادرته الحياة من قديم الزمان.
لتدق الطبول، وليعلق الرجال من خصيهم، والنساء من فروجهن، ولتمر قوافل الهزيمة، أمامنا، فندق على الأرض فرحا بالإنتصار.
كلنا موتى، لكننا ننكر المعلوم.