لم أعرف من قبل, كيف يقتل الهواء من حولك, كيف تستحيل عدما, وترضى به, وعندما يتحدث أحد عن الوجود, تنظر له مندهشا, تطالع بعين لم تعد ترى غير غبار, أيمكن أن نكون مازلنا أحياء؟
لكن تعريف الحياة, لم يعد يصلح لنا.
والموت بعيد, لا يرتجى.
هنا.. نحن مجرد ذرات محاصرة من كل الإتجاهات, بجدران, تصطدم بأحدها, لترتد, وتصطدم بالآخر, في دائرة لا تنتهي, من الصدمات المتوقعة, لكننا نتناسى ذلك, نحاول إقناع أنفسنا, في المسافة بين كل جدار وآخر, أننا لن نصطدم بشي آخر, وأننا تلقينا الصدمة الأخيرة, ولن يكون هناك أسوأ مما مضى.
لأنه لا يمكن أن يكون هناك أسوأ, لكننا نكتشف, أن الأسوأ دائما قادم, وأن ما مضى كان مجرد إعداد سيء, لما سيأتي, فنصطدم بجدار آخر, ونستمر, إلى أن نلفظ آخر أنفاسنا, بعد أن نستسلم تماما, لكل شيء،
ونترك أنفسنا, لقوة الصدمة وارتداداتها.. نرى الدماء تسيل, ولا نحاول حتى مسحها, كي نستطيع أن نرى.. تتحول رؤيتنا إلى إعتام تام, ولا نعد نرى أي شيء, سوى الموت وهو يتقدم ببطء ممل, ننتظر اقترابه منا, بعدم اكتراث.
نتذكر وقت أن كانت الحياة تضخ في جنبات روحنا.. نتذكر وقت أن كان ضحكنا صراخا, وإبتسامتنا فرحة حقيقية.. عندما كنا نرقص ليل نهار, بخفة أو بتثاقل, لكننا كنا نرقص.
كنا نرى كل الألوان من حولنا.
الآن لا نرى سوى اللون الرمادي, الذي تسلل داخلنا, دون مقدمات.
فجأة سكن بين جنبات أرواحنا, وتمدد, إلى أن أستولى على كل شيء.
ننتفض أحيانا.. نعلن رفضنا لذلك الانتظار الرتيب للموت.. نخطو أول خطوات التنفيذ، لكننا نتوقف فجأة، متذكرين أن هناك من يستحق أن نظل أحياء من أجلهم.
وأننا لن نغدر بهم, ونتركهم بدوننا.
إننا لن نجعلهم يأنبون أنفسهم طيلة حياتهم على غيابنا.
وأن موتنا أصبح له ثمن, لم نعد قادرين على دفعه.
فننتظره, بدلا من أن نهرول إليه، كانتظار غانية لاتينية, للزبون الجديد، التي تعلم أنه لن يعطيها الكثير
وأنها ماعادت تستمع، ولم يعد هناك من يصل بها إلى النشوة.
ننتظره كانتظار محارب مشلول لم يمت بشرف في المعركة، ولم يتذكره أحد في شلله.
مجرد نبتة جفت أفرعها, وتعفنت جذورها, ولم يهتم أحد بإقتلاعها.
نعجز عن الحياة
نعجز عن الموت
نعجز عن الفرحة
نعجز عن الحزن
مجرد عجزة, يرون إنكساراتهم تتوالى أمامهم, ولا يملكون, أي قدرة على إيقاف عجلة الزمن.
تذكرت, أني كتبت منذ خمس سنوات نصا, عن أن كل البشر, هم مجرد موتى أحياء, يحيطون بنا من كل إتجاه, يخنقونا, ويدفعونا دفعا نحو الموت.
اليوم أصبحنا نحن الموتى الأحياء, الذين لا يمتلكون لحياتهم أو مماتهم, ضرا ولا نفعا.