مالك عدلي يكتب: ليل خارجي

بينما أحاول أن أنجز بعضا من أعمالي أعادني صوت \”سارينة\” سيارات الأشاوس رغما عني خمس سنوات إلى الوراء … أنا أعلم هذا الصوت جيدا، وأعلم الفارق بين سارينة الأشاوس وسارينة الإسعاف، في مثل هذا اليوم من خمسة سنوات كان تصاعد تلك الأصوات إيذانا بزوال نظام حكمنا بالحديد والنار ثلاثين عاما … لكن في وقتها كان لها ما يبررها،

اليوم وقد وقر في أذهاننا أن النظام الحالي أقل شأنا من سابقه، وأكثر غباءً ودموية منه، وأفشل منه بمراحل وأنه يدمر نفسه ذاتيا، فقد تواطأنا بدون اتفاق مسبق على أننا فقط سنراقب انهياره المحتوم، جلسنا في منازلنا أو ذهبنا إلى أعمالنا وتركنا أشباح الماضي تتكفل به، ومن المضحكات المبكيات أن أشباح الماضي قد أثارت فزعه بالفعل، فخرج علينا من يهدد الأشباح بأن الرصاص الحي ينتظرهم إذا أقدموا علي نزول الشارع، وخرج علينا طبالو هذا النظام الأحمق ليرغوا ويزبدوا ويهددوا الأشباح بالويل والثبور وعظائم الأمور، وأطلقوا كلابهم في الشوارع وطالبوا ميليشياتهم من البلطجية والمسجلين خطر بالتصدي للأشباح، بينما نحن في منازلنا نكاد نسقط علي ظهورنا من الضحك

لقد ذكرني مشهد هذا النظام المرتعش بأساطير المذؤوبين، حيث يختفي سكان القرية جميعا من الطرقات ويغلقون أبوابهم جيدا في ليلة اكتمال القمر بينما حللنا نحن محل المشاهدين نستمتع كثيرا بمشاهد الرعب البادية على وجوه الممثلين ونتابع بشغف ما قد يفعله من يؤدون دور المسوخ بأهالي القرية ونحن نعلم أن هذا كله غير حقيقي وأنها ليست ليلة اكتمال القمر ولا يوجد مذؤوبين من الأساس وإنما نتابعه لمجرد التسلية وتمضية الوقت

وبمنطق لا تتعامل مع \”العبيط\” ولا تدع \”العبيط\” يتعامل معك قررنا أن نستمتع برعب الأشاوس وهذا المجهود الجبار الذي يبذلونه في إثارة ذعر القابضين علي الجمر متناسين أنهم ليسوا مذعورين بل قد يكونوا في غاية السعادة بهذا المشهد العبثي، يرقصون علي أنغام \”سارينة\” تلك السيارات المتطورة التي لم تنفعهم يوما ما ويتذكرون يوم أن بلغت القلوب الحناجر وخلع الأشاوس ملابسهم طواعية مخافة أن يتعرف إليهم أحد وهرولوا وكأنما تطاردهم أشباح العالم كله تاركين ملابسهم وهراواتهم وأسلحتهم أو متحصنين وراء أسوار لم تنجح في حمايتهم .

ونعلم تمام العلم أن معركتنا القادمة سوف نختارها بإرادتنا …. فكل أيامنا 25 وكل أيامكم 28 وكل سنة وإحنا طيبين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top