مالك عدلي يكتب: دولة الطوائف

نشرت جريدة الشروق في وقت سابق تقريرا مفاده أن الرئاسة تعاني من الصراع بين الجهات الأمنية.. كل شئ وارد هنا، فنحن في ظرف مضطرب وربما تحاول الأجهزة الأمنية إعادة رسم حدود كل منها واختصاصها وطريقة عملها وموازناتها أملا في القضاء على العشوائية التي ضربت عمل الأجهزة الأمنية، فحولتها إلى \”كرخانة\” لا رجاء منها.

السيد رئيس نادي القضاة يتحدث عن تعيين أبناء القضاة بالنيابة العامة وأولويتهم في التعيين، بأنه زحف مقدس، ولن يستطيع أحد إيقافه.. يتبعه السيد النائب الأول لرئيس محكمة النقض بتصريح مفاده أن أبناء عمال النظافة لا يمكن تعيينهم بالقضاء بسبب حساسية منصب القاضي ووكيل النيابة.

الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة تصدر فتوى باستثناء القضاة من تطبيق الحد الأقصي للأجور.

بوادر أزمة بين القضاة والداخلية بسبب القبض على وكيل نيابة، والقضاة يبررون ذلك بأنه انتقام من القضاة بسبب حملتهم الأخيرة في التفتيش على مقار الاحتجاز والداخلية ترد: شئ مضحك.

اشتباكات بين أفراد قسم شرطة شبين الكوم وبين قوات من الجيش والشرطة العسكرية تحاصر القسم بسبب مشادة بين أمين شرطة وضابط بالقوات الجوية ورئيس المنطقة المركزية ومدير الأمن والمحافظ يتدخلون لاحتواء المشكلة.

في نوفمبر 2014 أزمة بين \”المركزى للمحاسبات\” و\”الداخلية\” بشأن المستندات المالية للوزارة.. \”الداخلية\” ترفض إطلاع الجهاز على أوجه إنفاقها رغم توسط محلب.. و\”جنينة\”: مواجهة الفساد ليست أقل أهمية من محاربة الإرهاب وفي مارس 2015 نشر خبر مفاده أن عبدالغفار\”وزير الداخلية الجديد\” ينجح في احتواء الأزمة وأنه التقى المستشار هشام جنينة تحت رعاية السيسي ونشر على لسان هشام جنينة \”ونفى المستشار هشام جنينة، خلال المقابلة، طلب استصدار تشريع يلزم جهات الدولة المختلفة بمساعدة أعضاء الجهاز المركزى للمحاسبات، والإفصاح عما لديها من صناديق خاصة، مؤكدا أنه تم الاتفاق بين الوزارة والجهاز على طريقة المراقبة\”.

وفي ديسمبر 2014 نشرت جريدة الأهرام خبرا مفاده \”تصاعد الأزمة بين \”المحاسبات\” ونادي \”القضاة\”.. الجهاز يصر على مراجعة الميزانية والنادي يمتنع.

وبالطبع لن أكمل سرد الأخبار الخاصة ببقية مؤسسات الدولة، وطبعا لن أذكر أي شيء عن مؤسسة \”الجيش\”، لأننا لا نعلم شيئا عنها من الأساس، لكن يمكنك أن تتخيل في دولة يشيد إعلامها وطباليها تارة بنزاهة القضاء (الذي يعتمد في جمع وتمحيص الأدلة على النيابة العامة والداخلية)، بينما تجد في نفس الوقت أن مؤسسة القضاء تقول إن الداخلية تلفق الاتهامات حين يكون المقبوض عليه وكيل نيابة، بينما إذا كان المقبوض عليه شابا ساقه حظه العثر، فارتدي تي شيرت أو كوفية لا تعجب الضابط بأمر الله، تجد أن المحقق مطمئن لتحريات \”الداخلية\” ويحبس هذا الشاب لفترة لا يعلم نهايتها إلا الله، وفي دولة يتغنى طبالوها ومسؤولوها بالقانون والهيبة وفيها آلاف المحبوسين احتياطيا بسبب الاشتباه في أنهم وراء الهجوم على أقسام شرطة ومنشئات عامة، بينما يمكن لوحدة من القوات المسلحة محاصرة قسم شرطة وتعطيله إذا كان المقبوض عليه \”ضابط جيش\” ويكون رد الفعل الرسمي هو توسط المحافظ واللواء مدير المنطقة المركزية ومدير الأمن لحل الأزمة!

حسنا.. محاصرة قسم شرطة هي أزمة يمكن إنهاؤها بهدوء.. فلماذا يوجد آلاف المحبوسين بسبب وقائع مشابهة؟

وتتغني بعض الأحكام القضائية بأن هناك من يريدون النيل من هيبة الدولة وتحدي القانون وهدم المؤسسات.. إلخ.. بينما هناك مسؤولون بمؤسسة القضاء يرفضون تنفيذ القانون، فنجد فتوى باستثنائهم من قاعدة الحد الأقصى للأجور، ونجد نادي القضاة يمنع الجهاز المركزي للمحاسبات من الرقابة عليه، ونجدهم يخلون بالدستور نفسه وبالمساواة التي نص عليها الدستور، فيرفضون تعيين بعض أبناء الغلابة في المناصب القضائية لأسباب عنصرية بحتة بدون مساءلة، وبينما يمكن الاعتداء على بائع قصب أو ماسح أحذية لأتفه الأسباب وحبسه أيضا، نجد بمنتهى السهولة أن وزارة الداخلية ترفض تقديم مستندات إنفاقها للجهاز المركزي للمحاسبات، ويتم حل الأزمة برعاية الرئيس بعد أن تتفق الداخلية مع المركزي للمحاسبات على طريقة الرقابة على حساباتها (هيتراقبوا بمزاجهم يعني)!

إذا.. فالمؤسسة القضائية تقول إن الداخلية تلفق الاتهامات إذا كان المتهم أحد أفرد المؤسسة القضائية، بينما تصدقها إذا كنا نحن المتهمين، والداخلية تقول إن ما أثير بهذا الصدد هو شيء مضحك، والمؤسسة القضائية ترفض تطبيق بعض القوانين عليها، وتتحدى نصوص الدستور، بينما أعضاؤها يكيلون لنا أعدادا لا نهائية من الأحكام بالسجن لأننا \”نعطل تنفيذ القوانين\”، ونادي القضاة ووزارة الداخلية يرفضان أو يعرقلان رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات على أوجه إنفاقهما، بينما يطالبان المجتمع المدني بضرورة الإفصاح عن أوجه إنفاقه، وإلا فإنهم \”خونة\”، والمؤسسة العسكرية ترى أيضا أن الداخلية تلفق الاتهامات، ولا يري بعض أفرادها ضيرا من محاصرة أقسام الشرطة ومنع ضباط الشرطة من تأدية عملهم، بينما لو تظاهر مجموعة من المواطنين أمام قسم شرطة.. مجرد تظاهرة، فإنه لا مانع من إطلاق النيران عليهم سواء بواسطة الشرطة أو القوات المسلحة!

وأخيرا.. فإن مسائل من قبيل محاصرة قسم شرطة وعرقلة الجهاز المركزي للمحاسبات وتعطيل أحكام الدستور يمكن أن تمر مرور الكرام أو تحل بشكل ودي.. فقط إذا كان الفاعل ظابط أو قاضي.. والسؤال هنا: بالذمة دي دولة؟
 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top