في الخامس والعشرين من يناير الماضي، خرج جوليو ريجيني لمقابلة بعض أصدقائه بمنطقة وسط البلد، لكنه لم يصل أبدا، تبخر جوليو بمنتهي البساطة ككل من كتب لهم هذا المصير الأسود في هذا البلد السعيد.
حادثني بعض الأصدقاء المصريين والإيطاليين المشتركين طالبين مني المساعدة في نفس الليلة، وقمنا بالتصرف الوحيد الممكن في مثل هذا الظرف وهو السؤال عن جوليو في أقسام الشرطة المحيطة بمنطقة اختفائه، بلا جدوى.
قبلها بشهور قام حوالي خمسة شباب بالتظاهر في شارع التحرير بالدقي أيضا لمدة أقل من خمسة دقائق رافعين لافته كتب عليها \”لساها ثورة يناير\”، وكانت النتيجة أن قبض عليهم فردا فردا من منازلهم بعد أقل من أسبوع على وقفتهم هذه، يمكن أن تجعلنا هذه الواقعة نقول إن أجهزة الأمن تستطيع الوصول إلى كائن من كان، اللهم إلا إذا كانوا لا يريدون الوصول إليه.
تدخلت السفارة الإيطالية لدى السلطات المصرية لحثهم على تكثيف البحث عن الباحث الشاب المختفي، لكنهم لم يصلوا إليه أبدا.
سألني عدد من الأصدقاء عن تفسيري لواقعة اختفاء جوليو، فلم يكن لدي سوى ثلاثة احتمالات، ربما تكون جريمة جنائية عادية، لكن من يمكنه اختطاف شخص أجنبي في طريقه من الدقي إلى وسط البلد يوم 25 يناير، وهناك حرفيا آلاف الجنود والضباط في الشارع، مدججين بالأسلحة ومتأهبين لأي طارئ؟ ولو اختطفه مجرم عادي، فكيف تمكن من إخفائه ببساطة والعبور به من عدد مهول من أكمنة الشرطة الثابته داخل العاصمة وعلى مخارجها ومداخلها؟ ربما يكون اختطفه مجموعة من الإرهابيين، ولكن لو كان قد اختطفه بعض الإرهابيين، لكانوا أعلنوا عن ذلك وملأوا الدنيا نباحا كعهدهم دائما.. والاحتمال الثالث أن هناك جهة أمنية ما متورطة في هذا الحادث، وما أكثرهم.
بعدها بحوالي تسعة أيام تلقينا النبأ الصادم بالعثور على جثمان جوليو على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، أي على مسافة حوالي 50 كيلومترا من مكان اختفائه، وتلقينا أخبارا مفادها أن هناك آثار تعذيب على جثمانه، وهو ما أكدته بعد ذلك تقارير الطب الشرعي الإيطالي نقلا عن عدد من الصحف العالمية، وكثرت التكهنات وما زالت الجريمة تشكل لغزا يستعصي على الجميع حله.
سألني بعضهم: ولماذا جوليو؟ فقلت له: ولماذا محمد الجندي؟ ولماذا محمد الشافعي؟
يبدو أن هذا النظام أو تحديدا سياسات أجهزته الأمنية سواء أكانت هي من يقف وراء مثل تلك الجرائم كفاعل أصلي، أو أدى تقصيرها واهتمامها بالأمن السياسي على حساب الأمن الجنائي إلى شيوع مثل تلك الجرائم قد أصبحت خطرا أعمى لا يفرق بين ضحية وأخرى، ويبدو أن جزءا من المجتمع الدولي قد بدأ يدفع ثمن تعاميه عما يحدث على أرض هذا البلد من جرائم، وعدم اهتمامه بمساعدة هذا النظام على تحسين حالة حقوق الإنسان وإصلاح المؤسسات إصلاحا حقيقيا وملاحقة الجناة من رجاله.
ويبقى التساؤل قائما: هل سنعلم يوما ما حقيقة ما حدث لجوليو ولغيره من الضحايا؟
الرهان هنا علي أن هناك حكومة وشعبا يأبهون لما يحدث لمواطنيهم ويصممون على معرفة حقيقة ما حدث، وملاحقة الجناة أيا كانوا، وهو ما قد يعطينا أملا في أننا سنمسك بطرف خيط يقودنا إلى الوصول لمن قتل جوليو الإيطالي وكل جوليو مصري.