أن تكون معنيا بحقوق الإنسان ومدافعا عنها تلك ليست رتبة، وليست مهمة سهلة، وليست محلا للبحث عن أي مكاسب من أي نوع.. هذا ما تعلمته وتعلمه غيري من أبينا ومعلمنا الراحل (بجسده) أحمد سيف الإسلام حمد.. تذكرت تلك الجملة وأنا أشاهد فيديو لحافظ أبو سعدة ورفاقه من أعضاء وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان وهم في زيارة لسجن العقرب، خرجوا بعدها ليعلنوا أن هذا السجن البشع الذي يستخدم للتنكيل بالمسجونين فيه بلا مراعاة لأبسط حقوقهم بما في ذلك حقهم في كمية كافية من الغذاء.. (لدي شهادات مكتوبة وموثقة من داخل هذا السجن.. أعمل لمدة سنة ميلادية كاملة على دراسة عن أوضاع السجون المزرية في مصر).. تقدمنا وغيرنا بمئات البلاغات للنائب العام للتحقيق في انتهاكات حقوق المسجونين بالجملة داخل السجون المصرية وعلى رأسها سجن طرة شديد الحراسة (العقرب)، ويذهب كل هذا أدراج الرياح لأن حافظ أبو سعدة وبعض رفاقه قرروا أن يقوموا بمساعدة بعض القيادات الفاسدة التابعة لنظام على رأس أعدائه أولئك المدافعين عن حقوق الإنسان فضلا عن الإنسان ذاته، فذهبوا لتقصي الحقائق داخل سجن العقرب بعد الحصول على موافقة مسبقة من المتهم (مصلحة السجون) وفقا لخط سير حدده لهم المتهم (مصلحة السجون) بصحبة المتهم (رجال مصلحة السجون) ورأوا أماكن محددة سمح لهم بها المتهم (مصلحة السجون) وطالعوا أوراقا معدة بمعرفة المتهم (مصلحة السجون) وقابلوا شخصيات محددة سمح لهم بها المتهم (مصلحة السجون) ليخرجوا علينا بتقرير وقح يكذّبون فيه كل ما ورد بشكاوي أسر المسجونين وشهادات المحامين والمسجونين أنفسهم بدون أي سبب مقنع، وينتقلون إلى خانة مديح السيد المتهم، ومدح حالة السجن الرائعة! وكان ينقصهم أن يطلبوا من مصلحة السجون تنظيم رحلات يوم واحد لسجن العقرب لتنشيط السياحة الداخلية!
لا أجد تعليقا مناسبا على الجريمة التي ارتكبها هذا الوفد -طواعية- سوى تذكر جزء من سكريبت فيلم \”البرئ\” إخراج المبدع عاطف الطيب 1986:
العقيد توفيق شركس (محدثًا الوفد الحقوقي):
\”ده مش معتقل، ولا مجرد سجن عادي كمان، ده لوكاندا، أحسن من اللوكاندا كمان.. هو يمكن العيب الوحيد اللي فيها إنها في الصحرا، لكن دي ميزة هايلة جدا بالنسبة للنزلاء بتوعنا، على اعتبار إن كلهم من المثقفين والفلاسفة وكتاب الرأي، ومحتاجين مكان هادي زي ده علشان التأمل والتفكير الهادي.. دي مصحة نفسية، إحنا بنعالجهم فيها على طريقتنا.. طريقة كلها إنسانية.. دول تانية بقى بيدفنوهم بالحيا، لكن إحنا حاجة تانية خالص.. إحنا مكتفيين بعزلهم عن الناس وبس.
وطبعا حضراتكم تقدروا تلمسوا كل حاجة بنفسكم، وإحنا في النهاية تحت أمر القانون.. وطبعا حضراتكم من رجال القانون والعدالة، وتقريركم ممكن يخرس الإشاعات اللي بره دي.\”
وانتهى الفيلم ولم نعلم ماذا كانت فحوى تقرير الوفد الحقوقي.. حتى خرج للنور على يد حافظ أبو سعدة ورفاقه في 2015.