طالما سببت كلمة المعتقلين السياسيين كثيرا من الحساسية لأنصار الجنرال ومحاسيبه ومريديه.
فمصر ليس بها معتقلين سياسيين، كل محبوس هو محبوس على ذمة قضية ما، أو مسجون بحكم محكمة (بحسب إفادات رجال الجنرال)، قطعا لن أتكلم عن ظروف إصدار تلك الأحكام، ولا عن الترهات التي تفيض بها أوراق عدد من القضايا، ولن أتناول العصف بضمانات المحاكمة العادلة فيما يتعلق بعدد ليس بقليل من القضايا، سوف أقص عليك بعضا من قصص المحبوسين –المعتقلين– الأسرى، وسوف أعطيك كل أدوات المساعدة لتحدد وضعهم القانوني:
دعنا نعود إلى الوراء قليلا حين نجحت الثورة في تعطيل العمل بقانون الطوارئ، الذي كان يعطي الحق لوزير الداخلية في إصدار أوامر الاعتقال الإداري، والتي لم يكن ممكنا التظلم منها إلا أمام محكمة الاستئناف، وكانت المحكمة تقضي في بعض التظلمات بإخلاء سبيل المعتقل، فكانت الداخلية تسجل خروجه من محبسه وترسله إلى أحد مقرات أمن الدولة لينال نصيبه من التنكيل لمدة من يوم لثلاثة أيام، لحين صدور قرار اعتقال جديد، فيعاد بناء عليه إلى محبسه، ثم نتظلم منه وهكذا.
حسنا.. ليس لدينا قانون طوارئ، ولا أي قانون يتيح للداخلية اعتقال كائنا من كان اعتقالا إداريا، لدينا فقط قانون الإجراءات الجنائية الذي ينظم جمع الاستدلالات والقبض وتوجيه الاتهام والتحقيق والحبس الاحتياطي والإحالة وإخلاء السبيل وقواعد اتصال المتهم بمحاميه وعائلته وحدود صلاحيات الشرطة –النيابة– المحاكم ولدينا قانون العقوبات الذي يجرم مخالفة بعض تلك القواعد.
تنص المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يجوز حبس المتهم احتياطيا في ثلاث حالات:
– إذا كانت الجريمة في حالة تلبس.
– الخشية من هروب المتهم.
– خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجني عليه، أو الشهود، أو العبث بالأدلة.
– توقي الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذي قد يترتب على جسامة الجريمة.
وتنص المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية على:
\”في جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهرا في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام\”.
وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 164 على:
\”للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيا أو بمد هذا الحبس\”.
وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 166 على:
\”يكون استئناف المتهم في أي وقت، فإذا صدر قرار برفض استئنافه، جاز له أن يتقدم باستئناف جديد كلما انقضت مدة ثلاثين يوما من تاريخ صدور قرار الرفض\”.
وتنص المادة 167 في إحدى فقراتها على:
\”وفي جميع الأحوال يتعين الفصل في الطعن في أوامر الحبس الاحتياطي، أو مده، أو الإفراج المؤقت، خلال ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفع الطعن، وإلا وجب الإفراج عن المتهم\”.
إذا فللحبس الاحتياطي شروط يجب توافرها، وهي إذا كان المتهم ضبط متلبسا بارتكاب جريمة، إذا كان يخشى هروبه، أو إضراره بمصلحة التحقيق، أو توقي الإخلال الجسيم بالأمن العام.
ولا يجوز الحبس الاحتياطي أكثر من سنتين في أسواء الحالات، وللمتهم استئناف الأمر الصادر بحبسه احتياطيا على أن ينظر الاستئناف خلال 48 ساعة، وإلا وجب الإفراج عنه لسقوط أمر حبسه.
– محمود محمد:
تجاوزت مدة حبسه السنتين، وهو الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، وتم إحالة قضيته لنيابة أمن الدولة العليا بعد مرور سنتين، ولم تمّكن نيابة أمن الدولة محاميه من استئناف قرار حبسه احتياطيا، وتهمة محمود ارتداء تي شيرت مكتوب عليه: \”وطن بلا تعذيب\”.. إذا محمود يجب إخلاء سبيله، لأنه قضى مدة سنتين في الحبس الاحتياطي، أو لأنه استأنف قرار حبسه احتياطيا ولم ينظر هذا الاستئناف. وجدير بالذكر أن ارتداء تي شيرت ليس جريمة يمكن أن تضر بالأمن والنظام العام.
– عبد الله محمود عبدالهادي:
محبوس على ذمة القضية 327 لسنة 2015 أمن دولة عليا منذ أبريل 2015، لم يُمّكن محاموه من الاطلاع على القضية المتهم فيها، لكن علمنا ممن تم إخلاء سبيلهم أنها قضية خاصة بإحدى مجموعات الألتراس، ومن عبدالله علمنا أنه لم يواجه بأية أدلة أو اتهامات محددة أو نهائية أو حقيقية، تقدم محامو عبدالله بعدة طلبات لاستئناف أمر حبسه، لكن النيابة تجاهلت تلك الاستئنافات، أي أن عبدالله محبوس بالمخالفة للقانون، وهي جريمة احتجاز بدون وجه حق -كما تعلمون- تستوجب إخلاء سبيله فورا، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الوضع غير القانوني، لكن عبدالله ما زال يقبع بمحبسه.
– أحمد محمد زكي:
متهم في القضية 516 لسنة 2015 حصر أمن دولة عليا، صدر قرار بإخلاء سبيله بتاريخ 27 ديسمبر 2015، تقابلت مصادفة مع والدته المسنة المرهقة، التي تقطع الطريق يوميا لقسم مصر الجديدة لإدخال الطعام لولدها المحبوس بالمخالفة للقانون، ثم لنيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس لتحصل على جواب فيما يتعلق باستمرار حبس ولدها بالرغم من إخلاء سبيله لمدة 62 يوما بلا كلل، تقدمنا بشكوى لنيابة أمن الدولة العليا، وتم وعدنا بالنظر فيها، وتقدمنا بشكوى لنيابة مصر الجديدة، التي استغربت الأمر، فاتصلوا بقسم مصر الجديدة على الفور لإخلاء سبيل هذا الشاب وقالوا لنا: إذا لم يخرج خلال يومين، فأخبرونا، وفوجئنا أنه عقب اتصال النيابة بالقسم، حضرت مأمورية من الأمن الوطني، واصطحبوا الشاب لمكان غير معلوم.
هذه ثلاث قصص منتقاة لشباب يقضون زهرة شبابهم في السجون بالمخالفة للقانون، وعلى مرأى ومسمع من رجال قانون، وبقرارات أعضاء بالنيابة العامة، وقضاة بمحاكم الجنح المستأنفة ومحاكم الجنايات.
وتقدمنا بسيل من الشكاوى للنائب العام ولمجلس القضاء الأعلى وعدد من محاميين العموم، بلا أية جدوى.
هل يمكنك عزيزي القارئ أن تخبرني تعريفا محددا لوضعهم: \”محبوسين احتياطيا – معتقلين – أسرى\”.