مارسيل نظمي تكتب: صاحب كلب.. وصاحب أصحاب الكلاب

 

\”يمكنك أن تعرف اسم طائر بكل لغات العالم، لكن عندما تنتهي، ستكون عرفت لا شيء عن الطائر. لذا دعونا نتأمل الطائر وما يفعله، فهذا ما يُهم. لقد تعلمت مبكرا الفرق بين معرفة اسم الشيء ومعرفة الشيء\”.. عالم الفيزياء- ريتشارد فاينمان.

اتفق زوجي معي في الأشهر الأولى من زواجنا أن نقتني كلبا من نوعية “الجيرمان شيبرد”، فتوجهنا لإحدى محلات بيع الحيوانات الأليفة، بحثا عن كلب جيد لشرائه.

من هنا بدأ تعرفنا عن قرب على عالم الكلاب؛ تعلمنا سويا أشياء تخص هذا الكائن اللطيف.. نوعية الطعام المناسب، المكان الجيد من حيث التهوية والمساحة، تدريبه على عادات جديدة كالتخلص من فضلاته، وتخصيص ساعة محددة للتمشي، وتطعيمه في أوقات دقيقة، تلقيه الأدوية المناسبة إذا داهمته الأمراض، وبالتبعية معرفة أماكن أقرب المستشفيات البيطرية، وأفضل الأطباء المعالجين.

لم نكن نتخيل أن الأمر بمثل هذه الصعوبة، حتى نوفر الحد الأدنى من الاهتمام بهذا الكائن اللطيف جدا، تفهمت وقتها لماذا كانت تعارض أمي اقتراحي أنا واخوتي الثلاث باقتناء أي حيوان في المنزل، وكانت ترفض بشدة إضافة أعباء جديدة عليها، لأن تربية الكلب هي تربية الشخص الذي يقتنيه أولا وتعليمه كيف يحافظ على كائن حي يعيش ويكبر ويحب من يربيه ويمرض ويُعالج ويفرح ويحزن.

كنا نحضر له متأخرا كل يوم لبعد مكان عملنا عن المنزل، وكنا نجد نباحه فرحاً ومعاتبا في الوقت نفسه، لم يستمر الأمر مدة أسبوع حتى توفى نتيجة فيرس لم نتمكن من علاجه على الرغم من انتظامنا في اعطائه الدواء في ميعاده المحدد، وحزننا جدا عليه، وقررنا أن نخرج من البيت يومين لنسيان الموضوع، لكن تعلقنا بعالم الكلاب دفعنا للبحث عن آخر لاقتنائه بعد وفاة الأول بأسابيع، فكررنا نفس رحلتنا لأماكن بيع الحيوانات الأليفة بعد تراكم خبراتنا عن كيفية التعامل معهم، ومع الأسف لم يمنع اهتمامنا به إصابة الثاني بنفس الفيروس اللعين الذي يجعله يخرج دما مع فضلاته، إلا أننا لحقناه سريعا، وقمنا ببيعه لصاحب المحل مرة أخرى قبل تكرار تجربة الأول، وبالفعل طمأننا صاحب المحل عليه بعد فترة أنه تعافى واصبح بصحة جيدة.

الكلاب مدرسة صامتة:

تغيرات لطيفة طرأت على حياتنا رويدا رويدا بلا إزعاج.. من دون أن نشعر، من خلال تجربتنا مع هذه الكائنات الرائعة.

زوجي بعدما كان يشتكي من تعب السواقة، أصبح ينساها بمجرد دخوله المنزل، ليلعب مع الكلب ويحضر له الطعام وينظف مكانه، وكأنه يعتذر له عن التأخير.. وبعدما كنت احرص على أن يظل البيت نظيفا بلا فصال وانزعج من عدم الترتيب –احببت تلك الخدوش وبصمات الأقدام التي كانت تتركها كلابنا الرائعة في الأثاث الجديد، كانت تذكرني كم لعبنا سويا في أوقات مختلفة.. وكيف استقبلتنا بأحضان من نوع فريد محتفلة بدخولنا المنزل معلمة إيانا حسن الاستقبال بعد يوم شاق من العمل وشراء طلبات المنزل.. وبعدما كنا نحرص على الخروج للتنزه كل فترة لكسر روتين الحياة أصبحنا مع وجود الكلاب نضحي بفسحاتنا لصالح الذهاب للطبيب البيطري أو المكوث للاهتمام بهم في المنزل.

استطيع أن أبصم على صحة تلك  الدراسة التي أعدها عدد من الباحثين فى جامعة لينكولين فى بريطانيا وساو باولو البرازيلية على 17 كلب لمعرفة قدرتهم على التعامل والتعايش مع الإنسان وفهم حالته النفسية، حيث  أثبتت أن الكلاب لديها القدرة على فهم الحالة المزاجية لأصحابهم الذين يعيشون معهم، من خلال وضعهم أمام مجموعة صور مختلفة، فاستطاعت الكلاب تحديد الحالة النفسية التي يعانى منها الإنسان سواء فرح أو حزن او غضب، وتفاعلت مع تلك المشاعر المختلفة من خلال تعبيرات وجهها ونبرات صوتها بنباحها، وأوضحت الدراسة أن الكلاب مالوا إلى الصوت الهادئ المرح، وعبروا عن سعادتهم عن طريق لغة الجسد الخاصة بهم، التي تشير إلى فرحتهم هم أيضا حينما وقفوا أمام صور أصحابها مبتسمين، أما الكلاب المتواجدة أمام الوجه الحزين ظلوا فى أماكنهم منتبهين إلى الوجه فى مشهد يدل على رغبتهم فى تقاسم الحزن وألا يكون الإنسان تعيس بمفرده.

أما ما جعلني حقا اعشق الكلاب لدرجة البكاء إذا رأيت أحدهم متألما بفعل لكمة أو ضربة يتلقاها من بني البشر، هو حين كررنا التجربة للمرة الثالثة، لكن مع كلب من نوعية \”جولدن ريتريفيرد\”، وهذا النوع يطلق عليه جليس الأطفال، كونه حنونا لدرجة لا يمكن وصفها، ويمكن تركه مع الأطفال دون الشعور بأدنى درجة من الخطر، كما أنه يرتبط حد العشق مع مربيه، قليل النباح ووجهه أشبه بطفل ملائكي الطباع.

ظواهر تدعو للدهشة:

بعد هذه التجارب، لا افهم ظاهرة اقتناء الكلاب لاستخدامها كسلاح في  الشجار والبلطجة، أو حفلات الشجار بين الكلاب بعضها ببعض والرهان على فوز أحدها، لا افهم اقتناء هذا الحيوان دون أن يؤثر في صاحبه ويحسن من حالته المزاجية، لا افهم كيف يمكن لإنسان أن تمتد يده على كلب، معوضا كل طاقات الكبت والنقص على حيوان رائع كهذا، كما لا افهم بالأحرى لماذا نستمر في نعت بعضنا البعض بالكلاب؟

وهناك أمور كانت تثير دهشتي في وقت سابق، لكن اراها طبيعية حاليا، أن تقابل أسرة مصطحبة كلبها لمستشفى محاولة حمايته بكل الطرق متوسلة للطبيب أن يعالج رفيقها الرقيق بأي وسيلة، أن تجد مجموعة تتواصل على الفيس بوك متناسية الخلافات السياسية والفكرية للاتفاق على إعطاء الكلاب في الشارع يوميا علاجا وطعاما، متبادلة فيما بينها الخبرات حول كيفية علاج كلب من الشارع، على الرغم من الحالة المادية البسيطة لأعضاء هذه المجموعات.

بالتالي اعتبر من يتعامل  بهذا الشكل مع الحيوانات الأليفة عموما والكلاب تحديدا، هم مجددون للطاقة ومبهجون لدرجة قادرة على تغيير نمط حياة المقربين منهم للأفضل، هم أشخاص يمكن أن تثق في مشاعرهم الإنسانية لدرجة كبيرة.. هم اختبروا كيف يمكنهم الضغط على حياتهم والترفع عن شراء أشياء في احتياج لها، لأجل سعادة كائن آخر..  زيارة مثل هذه الأماكن ومشاهدة تعليقات المجموعات التي كرست جزءا من يومها للاهتمام بالكلاب، تعطي أملا في وجود أشخاص وصلوا حد التصالح مع النفس والحياة لدرجة تدعو للاحتفاء.. امدحوا هؤلاء واخبروهم حين تقابلوهم كم هم رائعون كلما استطعتم إلى ذلك سبيلا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top