ماجد عاطف يكتب: رجال الرئيس

في أحد شوارع حي الحسين العتيق، تحديدا في منطقة خان الخليلي، توجد بناية قديمة، طابقين.. الأول معرض لمنتجات الأرابيسك، والثاني ورشة للتصنيع، مالكها الحاج سعيد \”رحمه الله\”، أغلب العمال لم يزامنوا الحاج وإن كانوا يروا صورته مع الشيخ الشعرواي التي تزين جدار المعرض.. يسمعون عنه وعن قصص أقرب للحواديت، أغلبها تدور حول تدينه وميله للصوفية وكم كان كتوما ولا يبوح بسره لأحد.

تمر الأيام ويكبر أبناء الحاج سعيد، ويصبح منهم القاضي والمحاسب وضابط الجيش، الذي تشاء الأقدار أن يصبح رئيسا لمصر.

عبد الفتاح سعيد حسين السيسي، رجل المخابرات الذي ورث عن والده الكتمان والصبر، واكسبته مهنته مزيدا من الغموض، حتى إن كل من رافقوه أو عملوا معه أجمعوا على أنه لا أحد يمكنه أن يعرف ما يدور بخلد عبد الفتاح السيسي.

حين تحرك السيسي صوب القصر الرئاسي، اصطحب معه أهل الثقة، وهو ما يبدو طبيعيا ومنطقيا جداً، فاسماء مثل عباس كامل، أحمد علي، فريد التهامي.. وجودها في أشد الأماكن حساسية، كان متسقا جدا مع المرحلة.

الرجل في بداية عهده، محاط بجبهات عدة.. جماعة الإخوان المسلمين بالداخل.. بعض الأنظمة الإقليمية ترفض وجوده.. موقف أمريكي ملتبس بين مقتضيات الأمر الواقع ونظريات راسخة عن معنى الديمقراطية، فضلا عن الصحافة الغربية التي باتت تتحدث عن انقلاب أفضى إلى مذبحة.

المشهد غامض والصورة تبدو داكنة.

كل تلك العوامل لم تترك للرجل مفرا من الاعتماد أكثر على \”أهل الثقة\”.. رجالات الجيش، أو لنقل رجاله في الجيش.

لكن مع مرور الوقت، اكتسب السيسي ثقة أكثر، وتوطدت أكثر دعائم حكمه.

وفي أواخر سبتمبر2014، ذهب السيسي في زيارة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ69.

أحد المرافقين للسيسي على طائرته قال: \”الرئيس كان صامتا أغلب الرحلة.. بدى علية الاستغراق في التفكير والوجوم\”.

لكن الرجل الذي ذهب إلى هناك قلقا، حتى إنه اصطحب معه مجموعه كبيرة من رجاله في مشهد يوحى باحتياج الرجل لتدعيم نفسي في رحلتة الأولى، عاد وقد امتلأ بالثقة.

فالزيارة كانت ناجحة بكل المقاييس له.. الرئيس الأمريكى طلب لقاءه في ما يعد اعتراف رسمي به رئيساً منتخباً، لا جنرالاً منقلباً على الشرعية.. لقاءاته على هامش المؤتمر كلها صبت في نفس النقطة.. لا تشكيك في شرعيتك.. أنت رئيس مصر وسنتعامل معك على هذا الأساس.

تمر الأيام والخبرات المكتسبة تجبر الجنرال أن يتوارى قليلا مفسحاً المجال للرئيس، فمن المؤكد أن السيسي الآن، ليس هو نفس الرجل منذ عام، لا من حيث الرؤية، ولا أسلوب اتخاذ القرارات.

ومؤخرا بدت إرهاصات لما يمكن اعتباره إعادة لترتيب البيت الرئاسي من الداخل..

أولى المؤشرات كانت الإطاحة برئيس المخابرات العامة \”فريد التهامي\”، وهو ما أشيع أن سبب الاستغناء عن خدماته كان \”لأسباب صحية\”، وإن كانت بعض التقارير الصحفية  تحدثت عن أن الإطاحة به تمت في إطار إعادة هيكلة للوجوه البارزة، بما يتماشى مع المرحلة المقبلة، فالتهامي الذي وصفه الديبلوماسيون الغربيون بأنه الأكثر تشدداً في دائرة السيسي، فضلا عن اعتبار أمريكا له أنه  يلعب دورا سلبيا يعيق عملية إعادة العلاقات المصرية الأمريكية، كان يجب ازاحته.

وهو ما تم بالفعل ليحل محله \”خالد فوزي\”.. الجنرال الهاديء هو الآخر، والذي كانت أولى أوراق اعتماده – إن جاز التعبير- تشجيع أو ربما تقديم النصيحة للسيسي لاتخاذ خطوته غير المسبوقة في الذهاب إلى الكاتدرائية المرقصية لحضور قداس عيد الميلاد، في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ رؤساء مصر، وهو ما آثار حالة سعادة بالغة في أوساط الأقباط.

وربما تشير هذه النصيحة، لكيفية عمل رئيس المخابرات العامه الجديد التى تتسم بمرونه أكثر وقدرة على التفكير خارج الصندوق على حد وصف أحدهم.

رجل آخر من رجال الرئيس تمت الإطاحة به، وهو العقيد \”أحمد علي\” سكرتير الرئيس للمعلومات والمتحدث العسكري السابق.

فالرجل الذي كان من أشد المقربين للرئيس، حتى إنه اصطحبه معه من الجيش للقصر الجمهوري، فوجيء الجميع بقرار نقله أو \”نفيه\” إلى إحدى الدول الأفريقية كملحق عسكري، وبالقطع لم يصدر بيان يشرح أسباب النقل، وإن كانت الأقاويل تتردد أن علاقات نسائية هي السبب، فالرئيس المعروف عنه الانضباط الأخلاقي، لم يكن ليسمح بفضيحة أو تسريبات أخلاقية تطول من يعملون معه.

وسواء كان هذا هو سبب غضب السيسي أو هناك سبب آخر، فالمؤكد أن دلالات القرار تتجاوز أشخاصة، والرسالة واضحة للجميع.. الرئيس لن يبقى حوله إلا من لا تشوبه شائبة.

آخر رجال الرئيس الذين تمت الإطاحة بهم كان \”محمد إبراهيم\” وزير داخلية السيسي، والذي يعتبره معارضي السلطة، \”شريك الدم\” على حد تعبير احدهم.

محمد ابراهيم كان المسئول الأول عن فض اعتصام رابعة العدويه، وما تلاها من مصادمات بين الدولة والإسلامين، ثم الدولة وقوى مدنية، وهي الصدامات التي أسفرت عن عدد من القتلى تجاوز الـ3000 قتيل وقرابة الـ50 ألف معتقل سياسي.

ورغم الإخفاقات الأمنية التي منيت بها الوزارة في عهده، وانتشار التفجيرات والعمليات الموجهة ضد الشرطة، إلا أن الرئيس لم يقله أو يوجه له أي انتقادات طيلة هذه المده، لكن في تحرك مفاجيء – كأغلب تحركات السيسي- يخرج إبراهيم في تعديل وزاري محدود، تاركا الجميع يحاول تفسير سر الإقالة الآن.

 

على الجانب الاقتصادي، تقول مصادر مطلعة في القصر الرئاسي إن السيسي يضع نُصب أعينه تقرير البنك الدولي \”الأولوية في مصر توفير وظائف اكثر\” ، وهو التقرير الذي يوصي في مجملة بنظرة أبعد من سياسات سوق العمل التي تركز على جانب العرض، وذلك لتحقيق نمو في العمالة وزيادة ملحوظة في الوظائف.

وعليه فإن الفترة القادمة، ستشهد وجوها اقتصادية جديدة تتماشى مع رؤية مختلفة لما هو سائد ونمطي الآن.

بالأخير، نحن مازلنا نتحدث عن الرجل الكتوم الذي لا يمكن التكهن بما ينتوي، لكن المؤشرات تقول إن رياح السيسي ربما بدأت تهب على أهل الثقة، علها إذن تستبدلهم بأهل الخبرة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top