ماجدة خير الله تكتب: "يوم للستات".. ثرثرة في حمام السباحة

اختيار فيلم \”يوم للستات\” للمخرجة كاملة أبو ذكرى ليمثل السينما المصرية فى الدورة الـ٣٨ لمهرجان القاهرة، يعد تكريمًا للفيلم وصناعه، ويضعه فى نفس الوقت فى مرمى السهام!

لم أشاهد الفيلم فى ليلة الإفتتاح، وفضلت مشاهدته فى عرضه التالى، ورغم محاولاتى تجنب الاستماع إلى آراء من شاهدوه، لكن فى الوسط الصحفى والفنى تصلكم تعليقات الزملاء ولو كنتم فى بروج مُشيدة، وقد كانت معظمها تعليقات سلبية، أو متحفظة! ولكن ليس كل ما يردده الآخرون حقيقة، أو فلنقل -من باب الدقة- ليست كل الحقيقة، ولكن فى البداية دعونا ننظر للجانب الإيجابي.

فى زمن عز فيه وجود المنتج الفنان الشجاع، تقرر إلهام شاهين أن تنتج فيلمًا يضم عددًا كبيرًا من النجوم المخضرمين والشبان، وتعهد لكاملة أبو ذكرى إخراج الفيلم، وهى سيدة فنانة معروف عنها الدقة والحرص فى كل ما تقدمه، وتتعامل إلهام للمرة الثانية مع كاتبة السيناريو هناء عطيه التى سبق لها تقديم فيلم \”خلطة فوزية\”، وهو فيلم صادف قدرًا ملحوظًا من النجاح، يعنى بإختصار يتوافر لـ\”يوم للستات\” كل العناصر التى تكفى لصناعة فيلم جيد، إذن أين تكمن المشكلة؟
نحن بصدد فكرة مُدهشة وطموحة، وهى أن النساء هن الأكثر قدرة على تغيير الواقع والتمرد عليه، والثورات التى لا تناصرها المرأة غالبًا ما تنتهي إلى فشل، بإختصار أنظر لحال المرأة فى أى مجتمع لتحدد مدى نضجه أو تخلفه، وسوف تدرك أنه قد تم هزيمة المجتمع المصرى وتحلله وإنهياره بعد موجات تكفين المرأة بطبقات من الملابس السوداء تخفى ملامحها كاملة من رأسها لأخمص قدميها، بإسم الحفاظ على العفة، وتلجيم غرائز الرجال! ومع ذلك لم يتقدم المجتمع ولم تقل مشاكله الأساسية، بل ازدادت وتعاظمت وتفرعت، وتشابكت حتى صعُب حلها، هذا ما يمكن أن تستنتجه من قراءة ما بين وتحت سطور السيناريو وشخصياته، وهو تنويعة على ما قدمته نادين لبكى المخرجة وكاتبة السيناريو اللبنانية فى فيلمها \”هلا لوين\” عام 2011، لا يوجد تشابه بين الشخصيات ولا القضية، ولكن فكرة أن النساء هن الأقدر على التغيير، إذا صدقت النوايا والعزيمة هو العامل المشترك بين الفيلم اللبنانى والمصرى!

نساء فيلم \”يوم للستات\” يعشن فى حارة عشوائية، يعانى أهلها الفقر والتخلف والإحباط وكافة أشكال الإهمال، ولسبب ما، تقرر الحكومة أن تُنشيء \”حمام سباحة\” فى مركز الشباب التابع للحى، وتخصص يومًا للسيدات! فى الظروف العادية اعتقد أنه من المستحيل أن تقترب امرأة شعبية عاقله من حمام السباحة أو حتى تحلم بذلك إلا لو كانت تريد أن تصطحب أطفالها الصغار! لكن علينا أن ندرك أن الفيلم لا يقدم معالجة أو صورة واقعيه تمامًا، ولكنه يطرح هذا التساؤل: ماذا يمكن أن يحدث إذا…؟

تعامل مع الموضوع من هذا المنطلق وأنت حاترتاح، لأن الأفلام لا تقدم الواقع كما هو، ولكنها أحيانا ما تجّمله أو تضيف إليه، أو تختزل منه وفق رؤية وهدف كل مبدع، وأروع أفلامنا المصرية لا يمكن تصنيفها ضمن تيار الواقعية، وهذا لا يقلل منها مطلقا، بل أحيانا يزيدها سحرًا وجمالا، فـ \”أرض الخوف\” لا ينتمى لتيار السينما الواقعية ولا \”جنينة الأسماك\”، ولا \”الكيت كات\”، ولسنا بصدد رصد المزيد من الأفلام التى لا تنتمى للواقعية، ومع ذلك فإن فيلم \”يوم للستات\”، يتحرك فى مساحة جغرافية تنتمى للأحياء الشعبية القديمة التى تقترب من فرط إهمالها للعشوائيات، ومعظم شخصيات الفيلم مهزومة ولا تقاوم الواقع، ولكن تستسلم له وترضى به، ربما تكون عزة أو ناهد السباعى هى الشخصية الوحيدة، التى قررت بوضوح عدم الاستسلام لظلم المجتمع، ولقيوده السخيفة، ولكن الخطأ الفتاك فى السيناريو هو رسم شخصية عزة بوصفها فتاة عبيطة أو مجنونة، لأن سلوك الفتاة لا يدل على ذلك مطلقا، فهى تدرك حجم مسؤوليتها تجاه جدتها، العجوز، وتقوم بلا ضجر بتنظيفها بعد أن تبلل فراشها كل يوم، وهى تأخذ من الدنيا ما يكفي لإسعادها بدون خسائر، وتعرف جيدا حدود حريتها، وكنت أفضل أن ترسمها السيناريست كفتاة تدعى العبط أو الجنون، لتنجو من قيود المجتمع الذى يؤمن أن ليس على المجنون حرج، عزة هى أهم شخصيات الفيلم وأكثرها عذوبة وتعبيرا عن الفكرة، لولا الخطأ فى توصيف الشخصية!

بعد الإعلان عن تخصيص يوم للستات فى حمام السباحة، تقرر عزة أن تشترى \”مايوه\” ولا تستسلم لفكرة نزول الحمام بالجلباب أو الملابس العادية مثل غيرها من نساء الحى، بل إنها تشترى مايوه أنيقا جدا، وتكون أول من ترمى بجسدها فى المياه رغم عدم معرفتها السباحة، ولكنها بعد قليل من التدريب مع هالة صدقى مدربة الحمام ومشرفته تتحول إلى سباحة ماهرة، وتسعد بالبلبطة، وتشجع بقية النساء، اللائى يتوافدن بأعداد غفيرة، ويجدن فى حمام السباحة متنفسا لكل الكبت الذى يعانين منه، ومثل كل تجمعات النساء فى البيئات الشعبية، تنطلق الحكايات الأبيحة والتلميحات، على أساس أننا ستات فى بعض، وتكون فرصة لأن تحكى شامية \”إلهام شاهين\” بعضًا من مغامراتها أيام كانت تعمل موديلا، تقف أمام الرسامين عارية \”ملط\” أحيانا، ولكنها لم تترك فرصة لأي منهم أن يستخدم جسدها جنسيًا، فوق البيعة بعد رسمه، وبعد أن كانت سمعة \”شامية\” مُضغة فى أفواه النساء، بدأن فى التعاطف معها، بعد أن أدركن أنها تعشق رجلًا \”محمود حميدة\”هو حلم حياتها، وقد قررت أن تنتظره لآخر العمر، أما نيللى كريم التى أصبحت ملكة الأحزان فى كل الأعمال التى تشارك فيها، فهى تعيش مُلتاعة بعد وفاة ابنها غرقا فى حادث العبارة، وهى لا تكف عن البكاء والشرود، وتتذكر طفلها الغريق كلما استمعت إلى صوت طفل، ولذلك تتجاهل حب إياد نصار مشرف نادى السباحة الذى يكتفى بالبوح عن مشاعره من خلال رسائل على الموبايل، وبعد فترة تجاهل وصد، تستسلم فى النهايه وتلوذ بحضنه.

مشكلة الفيلم أنه لا يضم لحظات صراع واضحة، ولا يصل إلى ذروة مطلقا، ولكن مساحة الفيلم الزمنية يقضيها فى استعراض بعض المواقف للشخصيات تتصاعد أحيانا، ثم يذوب الموقف فى لحظة، ولذلك كان يمكن أن يمتد زمن الفيلم إلى عشرة ساعات، طالما أن الشخصيات أو الأفكار لم تتصادم، لينتج صراعًا أقوى، بعدها يأتى الحل أو النهاية. يعانى الفيلم من خلل واضح فى الإيقاع العام، وفى إيقاع كل مشهد على حدة، وقد صرحت المخرجة أنها اضطرت إلى حذف أدوار كاملة بعد تصويرها، مع أن المونتاج الأول وضبط الإيقاع يحدث بداية من السيناريو المكتوب، وليس بعد التصوير، وهذا ما أحدث ارتباكا للمونتير معتز الكاتب وجعل إيقاع الفيلم يفلت منه، فنحن طوال الوقت فى انتظار شيء ما يحدث ويطول الانتظار، ثم نفاجأ بموقف ضعيف يكون ذريعة لصدام، بعد اكتشاف بعض الشباب قطعة من ملابس داخلية لامرأة تركتها فى الدولاب الخاص بحفظ الملابس، ولأن القطعة كانت تحمل اللون الأحمر فقد أثارت الغرائز، وبالتالى كانت سببًا فى شجار بين فتيان الحارة ورجالها، وتم اتهام \”عزة\” ناهد السباعى بأنها صاحبة القطعة الداخلية، وهو ما تم نفيه وخلاص!

رغم ثغرات السيناريو الواضحة، إلا أن هناك مشاهد كثيرة تثير الإعجاب والبهجة، معظمها تخص شخصية عزة أو ناهد السباعى، تليها شخصية شامية \”إلهام شاهين\” المرأة التى تتحدى مجتمعها ولا تنافق تخلفه، وتفعل ما تريده فى وضح النهار، مما يجعل البعض يتهمها فى شرفها، وهى غير ذلك، فقد نذرت نفسها لرجل وحيد، ظلت فى إنتظاره حتى عاد من الخارج ليعترف بحبه بعد سنوات من الإحباط والهزائم.

هل أعجبك فيلم \”يوم للستات\”؟ سؤال طرحه الكثير من الأصدقاء، والإجابة: نعم اعجبني رغم عيوبه، فهو يضم لحظات إبداع متفرقة، وخاصة مشهد النهاية برمزيته وتأثيره، ولكنى لا أفكر فى مشاهدته مرة ثانية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top