قصة قصيرة ساخرة
استيقظت بوسى وهى فى حالة مزاجية مُرتبكة، بمجرد أن فتحت عينيها لم تجد أمامها كلبها المدلل \”كوكى\” يداعب وجهها مثل كل صباح، بحثت عنه فى كل مكان فى حجرات النوم، فى حديقة قصرها المنيف، القائم بالمنصورية جوار قصر شريهان، بحثت فى البيسين، فى جراج السيارات فى صالة الجيم، تحول قلق بوسى هانم، إلى تيار كهربائى انتقل إلى منطقة الحذر والقلق لدى الجميع، وانتشر كعدوى أنفلونزا الصيف السخيفة، إلى كل خدم وحشم وشمشرجية القصر الكبير.
\”كوكى\” مش موجود، يادى المصيبة، قالها سعادة الوزير عندما نقلوا إليه الخبر المشؤوم، فهو يعلم أن كوكى أغلى شىء فى حياة زوجته بوسى هانم، التى تعتبره كنزها الحقيقى وثروتها التى تحافظ عليها أكثر من مقلة عينيها، وعندها حق فكوكى ليس مجرد كلب عادى، إنه هبة من السماء، معجزة تؤكد قدرة الخالق على ابتكار الجديد والمثير الذى يذهل البشر، ويؤكد قلة حيلتهم أمام القدرة الإلهية.
كوكى كلب أبيض بعيون زرقاء! نوع نادر وفريد ليس له مثيل فى العالم، أتى إلى الدنيا، بعد علاقة قصيرة بين أمه القطة الشيرازى كثيفة الشعر التى كانت تملكها الست صافيناز يلمظ أم بوسى، أما والده فكان كلبا من نوع الجريفون وكانت تملكه جارة الست صافيناز، فى المعادى، وفى ليلة ما، قفزت القطة من فيلا صافيناز، إلى فيلا جارتهم الفرنسية مدام كريستين، وهى يهودية من أصول بولندية ومتزوجة، من المدير الأقليمى لسلسلة من الفنادق العالمية، ونتج عن هذا اللقاء السريع، مجموعة من الكلاب المقطقطة، يشبه معظمها والدهم \”كلب مدام كريستين\” وكان بينهم كلب مختلف، خرج بالدنيا بعيون زرقاء، عندما وقع نظر مدام صافيناز عليه شهقت من هول المفاجأة، وأدركت أن الله خصها بهذه الهبة الفريدة، ولما علمت مدام كريستين بأمر الكلب ذي العيون الزرقاء، أعلنت رغبتها فى الحصول عليه، مما خلق صراعًا بين المرأتين، احتدم ووصل إلى مداه، مما دفع صافيناز هانم لإستخدام نفوذ زوجها وتدبير قضية تجسس لمدام كريستين وزوجها انتهت بالاكتفاء بطردهما من البلاد!
واحتفظت صافيناز هانم بالكلب ذي العيون الزرقاء، وأطلقت عليه اسم كوكى، تيمنا بأول طفل تنجبه \”كريم\” الذى مات بعد ولادته بأشهر قليلة نتيجة لإصابته بمرض غامض، احتار \”الأطبا فيه\”.
اهتمت الصحافة العالمية بحالة الكلب كوكى، وأرسلت الجمعيات العلمية فى استوكهولم، وفدا يضم مجموعة من علماء البيولوجى لدراسة حالة الكلب كوكى الذى أتى للدنيا نتيجة علاقة جنسية بين قطة وكلب، كما أرسلت جمعيات رعاية الحيوان وفدا آخر للنزول على حالته الصحية، انتهى بتوجيه التماس للحكومة المصرية بضرورة، تقديم كل الرعاية والاهتمام للكلب كوكى وطلب ضمه إلى مؤسسة عالمية خاصة تتولى الاهتمام به، ودراسته بوصفه حالة نادرة غير قابلة للتكرار!
ولكن صافيناز هانم تمسكت بحقها فى الكلب رغم المبالغ الخيالية التى، عرضتها بعض الجهات العلمية، وجمعيات حقوق الحيوان لضم كوكى لرعايتها.
استقبلت السيدة صافيناز وزوجها مئات من مندوبى المحطات الفضائية، التى تسابقت على تصوير كوكى، ونقل صورته للعالم، كما أرسلت مجلة النيوزويك أكبر صحفييها لتقديم دراسة عن كوكى وردود فعل الشارع المصرى، إذاء هذا الحدث البيولوجى العجيب الذى ظهر فى أرض الكنانة!
عندما بلغ عمر كوكى ثلاثة أشهر، واقترب موعد زفاف بوسى الأبنة الوحيدة لصافيناز هانم، قررت الام إهداء ابنتها طقما من المجوهرات السويسرية ولكن بوسى أبت إلا أن يكون كوكى هو هدية عرسها! واضطرت الام أن تضحى بصحبة كوكى وتقدمه لابنتها حتى لاتفسد عليها فرحة زواجها، ولكنها ظلت تزور ابنتها كل يوم لمدة خمس سنوات كاملة حتى تطمئن على كوكى وتنعم بقربة!
وبعد وفاة صافيناز هانم، شعر سيادة الوزير \”زوج بوسى \” براحة شديدة بعد أن تخلص من زيارات حماته التى كانت تحدث دائما بعض المشاكل والصدامات فالسيدة الراحلة كانت تشكو دائما من أن كوكى لايجد فى منزل ابنتها الرعاية الكافية، فهى أحيانا تجد وجهه دبلان، ومزاجه معتل، وكانت تستنتج من هذا أن خدم ابنتها لايضعون لكوكى ماءًا مقطرًا، مع عدة نقط من رحيق اللوزكالعادة، ولذلك كانت تحرص على أن تضع له الشراب والطعام الخاص به بنفسها!
استراح سيادة الوزير من حماته، ولكنه إكتشف أن زوجته أصبحت أكثر منها دقة فى رعاية كوكى، ومع الايام اكتشف سيادة الوزير، أن معظم من يأتون لزيارته من كبار رجال السياسة والاقتصاد، إنما يأتون لمشاهدة كوكى هذا الكلب النادر ذو العيون الزرقاء، وأدرك سيادة الوزير أن كوكى هو ثروته الحقيقية التى يجب أن يحافظ عليها لانها لم تعد ملكا خاصا له ولكن للبشرية جمعاء!
بعد ساعات قليلة من اختفاء كوكى، تلقى السيد اللواء مدير أمن الجيزة بلاغا من سيادة الوزير، أرسل على أثرة سيادة اللواء فريقا من كبار ضباط الأمن، للتحقيق فى الأمر، وانتهى الموقف بإلقاء القبض على خدم سيادة الوزير وسائقه الخاص والجناينى والطباخ على اعتبار أن الأقربين أولى بالمعروف، والجريمة غالبا لن تخرج عن واحد من أهل البيت أو القصر، لأن الدلائل تشير إلى أن كوكى لم يصدر صوت استغاثة، مما يُرجح أن من قام باختطافه لابد وأن يكون من المترددين على القصر أو من العاملين فيه!
وبعد يومين تم الإفراج عن خدم سيادة الوزير، ولكنه اكتشف أنهم لم يعودوا صالحين للخدمة ولا لأى شىء آخر، فمنحهم مكافآت مجزية تعينهم على مصاريف العلاج!
وظهرت السيدة بوسى فى برنامج لميس الحديدى وهى تبكى وتعلن عن مكافأة مليون جنيه، لمن يعيد لها كوكى حيا سليما معافى، وفى اليوم التالى ظهرت فى برنامج العاشرة مساء، ورفعت قيمة المكافأة إلى مليون ونصف، ولما وصلت إلى برنامج عمرو أديب عرضت ثلاثة ملايين جنيه! ورغم ذلك لم يعد كوكى!
فى إحدى الخرابات التى تبعد عن قصر سيادة الوزير، بحوالى اثنين كيلو وعدة أمتار كان كوكى ينعم بحياته مع كلبة إلتقاها أثناء تجواله الليلى، فقد كان حريصا على الهرب من قصر سيادة الوزير، والذهاب للعب واللهو مع أقرانه ورفاقه وأبناء جنسه، وفى إحدى الليالى التقى كوكى وفلة، وهى كلبة بلدى لونها بنى منقط بأسود، أعجبت به أيما إعجاب، وظلت تتغزل فى عيونه الزرقاء، وهربت من كلب آخر جربان كانت تعاشره أحيانا، وجد كوكى نفسه مع\” فلة\” وقرر الانطلاق بعيدا عن قصر سيادة الوزير وزوجته المهووسة، وضاق ذرعا بحمام الشامبو اليومى، وبالماء المقطر الذى وضعوا عليه نقاط من روح اللوز ومن الطعام الذى يأتى له خصيصا من \”أبو شقرة\”.
زهق من الأضواء التى تحاصره ومن القيود التى تفرضها عليه بوسى التى جعلته فرجة وتسلية لصديقاتها الفارغات، مع فلة الحياة أجمل.
وقرر كوكى ألا يعود مطلقا للقصر، بعد أن شعر أن \”فلته\” حامل وأن عليه أن ينشىء أبناءه بعيدا عن هذا المناخ الفاسد الذى يحيط بقصر سيادة الوزير!