خلال فترة انعقاد مهرجان تورنتو السينمائي الدولي10 -20سبتمبر، تمر عليك كل فصول السنة، فقد كانت الأيام الأولى شديدة الحرارة، يتخللها نسمات ربيعية، ثم بدأ هبوط الأمطار بغزارة، واشتدت البرودة، لكنها في أيام أخرى أو أوقات من نفس اليوم تميل للجو الخريفي! وكذلك الأفلام التي يعرضها المهرجان، ويصل عددها إلى الثلاثمائة، وهو رقم ضخم جدا، بالنسبه لأيام المهرجان العشر، التي تصيب أي شخص بالعجز في متابعه عشرين بالمائه منها، لكن حسن الاختيار هنا، قد يكون مفيدا، فأنت صاحب القرار، هل جئت لتتابع الأفلام الضخمه التي تنتجها شركات هوليوود، وقد يكون عرضها الأول في تورنتو، هو أهم فرصه لمشاهدتها، أم أنك تبحث عن أفلام لن تتاح لك فرصة مشاهدتها في أي مكان آخر، مثل الفيلم الدانمركى\”رجال ودجاج\”! وغيره من الأفلام العربية، أو الأفلام القصيرة! الاختيار صعب، لكنه حتمي، حتى تستطيع أن تحقق أكبر فائدة من وجودك في تورنتو، بالنسبة لي شخصيا، لا أستطيع أن اتجاهل أهمية مشاهدة الأفلام الأمريكية، وخاصة أن ترشيحات الأوسكار سوف تكون بين عدد منها، كما لا استطيع أن اتجاهل أفلاما لكبار المخرجين مثل الفرنسي كلود ليلوش الذي يقدم أحدث أفلامه \”هو وهي\” UN PLUS UNE
ويلعب بطولته جان ديجاردين، كريستوفر لامبرت، وتدور نسبة كبيرة من أحداثه في الهند، حيث يسافر ممثل فرنسي مشهور لتصوير فيلم من انتاج بوليوود، وطبعا لا يكتفي المخرج الكبير ليلوش بتصوير جماليات الطبيعة، لكنه يهتم في المقام الأول بطرح اختلاف الثقافات، وتحليل قدرة الفيلم الهندي على النجاح، والوصول لقاعدة عريضة من الجماهير! ومن الأفلام التي اثنى عليها النقاد واستقبلها الجمهور بحفاوة بالغة، حيث إنها للمخرج الكندي جان مارك فالييه، الفيلم الأمريكي DEMOLITION أو الهدم، وهو من بطولة جاك جيلينهال ونعومي واتس، والطفل جودا لويس، ويعتبر هذا الفيلم هو الأهم في حياة بطله، بعد \”زاحفو الليل\”، الذي كان يستحق عنه ترشيحا للأوسكار، ولا يستبعد أن يقدم المخرج هذا العام مرشحا آخر للأوسكار كما فعل مع ماثيو ماكوهناى، في DALLAS BUYERS CLUB أو مع \”ريز ويزرسبون\” في فيلم \”برى\”! فيلم الهدم، ينتمي للكوميديا السوداء، بطل الفيلم دافيد ميتشيل، أو جاك جيلينهال، يحتل مكانة مرموقة في أحد البنوك، التي يديرها حماه، يعيش \”ديفيد\”حياة بذخ ورفاهيه، ويسكن في منزل يثير الحسد، وهو لم يسأل نفسه يوما، إن كان يستحق كل ما وصل إليه، أم أن زواجه من ابنة رجل شديد الثراء واسع النفوذ، هو الذي أوصله لما هو فيه، لكن حياته تتبدل تماما، عندما تتوفى زوجته، إثر إصابتها في حادث سيارة، إنه يفقد قدرته على الحزن، وكأنه أصيب بلوثة عقلية، ويدخل في دوامه غريبه، عندما يضع عمله في الثلاجة الضخمة الموجودة في المستشفى، منتظرا أن يحصل على قطعة من الشيكولاتة، لكن الجهاز لا يمنحه القطعة، حيث يحدث خطأ ما، ويشكو \”دافيد\” لأحد المتواجدين بالمستشفى، لكن الرجل يعلمه أن إدارة المستشفى لا علاقه لها بصيانة الماكينة، لكنها تتبع إحدى الشركات، فيقرر أن يرسل بشكوى للشركة! ومن هنا تبدأ الحكاية العبثية، الكاشفه، فبدلا من أن يشكو من تجربته من الماكينة، فهو يحكي قصته من البداية، حتى وصل ليوم تواجده في المستشفى بعد إصابه زوجته، وتصل رسالته إلى المسؤوله عن تسلم الشكاوي، والبحث في طريقه حلها، ورغم عدم أهمية الموضوع، إلا أنه ظل يراسل قسم الشكاوي ويكتب أدق تفاصيل حياته، وكأنه يتحدث إلى طبيب نفسي عن همومه وهواجسه، وتبدأ علاقة بين المسؤولة عن الشكاوي \”ناعومي واتس\” وبين جاك جيلينهال، وتتطور العلاقه بينهما، ويجد لديه رغبة عارمة، في تحطيم كل ما حققه في حياته السابقة، بفضل زوجته، ويلحظ حماه هذا السلوك المفرط في غرابته ويعتقد أنه بسبب حزنه، ويمنحه فرصة لأخذ إجازة أو لعرض نفسه على طبيب نفسى، لكن الزوج الأرمل لا يتوقف عن التصرفات الصبيانية، التي تعيده لاكتشاف نفسه، والحياة من حوله، ويساعده في ذلك الصبي المراهق ابن المرأة التي تعلق بها قلبه.
الفيلم يعتمد على آداء جاك جلينيهال وعلى تفاصيل صغيرة ومدهشة، قدمها المخرج جان مارك فالييه بحرفية، ونعومة، وقد حصل الفيلم على تقديرات عالية، في أهم موقع سينمائي IMDB وصل إلى ثمانية من عشرة، واثنى عليه النقاد في مجلة سكرين وهوليوود ريبورتر، لكن هل هذا كفيل بمنح الفيلم فرصه التنافس على الأوسكار؟