ماجدة خير الله تكتب من تورنتو: كيت وينسليت "صانعة الثياب"

إذا أردت أن تغير مجتمعا متخلفا.. ابدأ بملابس النساء!  
مساء الأحد الماضي الموافق عشرين من سبتمبر، انتهت فعاليات الدورة الأربعين لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي، وفي اليوم التالي مباشرة، أرسلت إداره المهرجان، إيميلات لكل من حضروا المهرجان، من النقاد والصحفيين، وصناع السينما، تشكرهم على المشاركة، بالإضافه إلى كشف حساب، بما حققه المهرجان ماديا، مكسب يصل إلى ثلاثمائة مليون دولار!

وعدد الأفلام التي تم عرضها، من جميع التصنيفات \”روائي طويل، روائي قصير، تسجيلى، رسوم متحركة\” بالإضافه لحصر لعدد النجوم والمخرجين والموزعين من جميع أنحاء العالم، الذين حضروا، فعاليات المهرجان! طبعا لازم تقول في بالك، إيه الحلاوة دي؟ بقي أن تعرف أن النجوم يحرصون على حضور المهرجان، لعده أسباب، أهمها ضخام التواجد الاعلامي، وحفاوة الترحيب بهم، والأجواء الاحتفالية، لكن الأهم من كل هذا أن العروض الأولى لبعض تلك الأفلام، هي بمثابة جس نبض، وقياس لمدى تفاعل الجمهور والنقاد معها، خاصة وأن موسم الترشيحات للجوائز السينمائية، يقترب مع الأشهر الأخيرة من العام، وسوف تجد أن معظم الأفلام التي سوف تنال ترشيحات الجولدن جلوب والأوسكار، قد نالت شرف العرض الأول في مهرجان تورنتو.

من بين تلك الأعداد المهولة من الأفلام، تمكنت من مشاهدة حوالي خمسة وعشرين فيلما طويلا، وثلاثين فيلما قصيرا، بعض ما شاهدته لا يستحق الذكر، وهذا لا يعني سوء مستواه، لكنه يقع في المنطقة الرمادية، التي لا تجعله يعلق في دائرة اهتمامك، إلا فترة قصيرة من الوقت، وقد تسقط تفاصيله من ذاكرتك، بمجرد أن تخرج من دار العرض، وتتجه لأقرب كافيتريا لتحتسي، فنجانا من القهوة! فأنت هنا لا تقارن بين الجيد والردىء، لكن بين المهم والأكثر أهمية، والمثير للدهشة!

من الأفلام التي علقت كثيرا في ذاكرتي، واعتقد أنها سوف تلقي نجاحا تجاريا عند عرضها العام في منتصف أكتوبر القادم، فيلم \”صانعه الثياب\”، أو the dressmaker من بطوله كيت وينسليت وهذا وحده، سبب لاعتباره من الأفلام المهمة، وتعود به الأسترالية جوسلين مورهاوس، لمقعد المخرج الذي أبتعدت عنه لأكثر من عشرين عاما، وهي تشارك في كتابه السيناريو مع زوجها \”بي.جي.هوجان\”.

أما قصة الفيلم فهي عن روايه حققت أعلى المبيعات، للأديبه الأستراليه \”روسالي هام\”، الفيلم يمكن تصنيفه لو أردت التصنيف من الأفلام النسائية، ورغم جدية موضوعه، إلا أنه لا يخلو من لمحات ساخرة، ويمكن أن تشتم فيه رائحة من رواية الأديب العالمي فريدريك دورينمات \”زيارة السيدة العجوز\”، لكن هنا السيدة العائدة إلى مدينتها الريفية البسيطة، ليست عجوزا، بل هي صبية جميلة وفاتنة، ورغم أنها تحمل داخلها رغبة في الانتقام، من أهل قريتها الذين ظلموها، وتسببوا في هربها وهي طفلة صغيرة، فهي تريد الانتقام منهم، لكن بطريقتها الخاصة، فهي لا تحمل سلاحا في يدها، لكن ماكينة خياطة، ومجموعة من أحدث التصميمات لأزياء النساء!

تبدأ أحداث فيلم \”صانعة الثياب\”، بحافلة متهالكة، تسير في ممرات طويلة، بين حقول القمح، وتنتهي إلى مدينة صغيرة، مبانيها قديمه وحالكة اللون، وكأن سكانها من الأشباح، وتنزل من الحافلة سيدة جميلة وبالغة الأناقة هي \”تيلي دوناج\” أو كيت وينسليت، تتأمل المكان، وكأنها تستعيد، ذكريات مضت، وتخرج من حقيبتها، علبه سجائر وتشعل واحدة، وتنفث دخانها في الهواء، ونظرات عينيها تحمل قدرا من التحدي، والرغبه في الانتقام. الأحداث تدور في سنوات الخمسينيات من القرن العشرين، وكانت تيلي دوناج لاتزال طفلة في العاشرة من عمرها، وقد  اضطرت للهرب من قريتها منذ ما يزيد عن عشرين عاما، بعد اتهامها بقتل أحد الصبية، وتهشيم رأسه بحجر، وعجزت وقتها عن إثبات براءتها، ونظرا لسيطرة أهل الصبي على مقدرات الناس في القرية، فوجدت \”تيلى\” أن الهرب أسلم وسيلة. تنقلت بين لندن وميلانو واستقرت في باريس، حيث درست فن تصميم الأزياء، وتفوقت فيه، وعملت لفترة غير قصيرة في أكبر بيوت الموضة والأزياء، لكنها لم تستطع أن تسقط من ذاكرتها، ألم الظلم الذي تعرضت له في طفولتها، فعادت للقرية لتصلح من شأنها، خاصة وأنها تركت خلفها أمها السكيرة، التي لم تغيرها الأيام، واكشتفت \”تيلى\” أن القريه نفسها لم تتغير، ولا سكانها، ولا نسائها، الجميع يبدون في حالة رثة، وجوههم تدل على الاحباط والاكتئاب، الألوان التي ترديتها النساء داكنة كئيبة، ولا يولون أي اعتبار لأناقتهن، ولا زينتهن، فأنت تستطيع أن تعرف ثقافة شعب ما، من نوعيه الملابس، التي يرتديها، وألوانها وتصميماتها، فهي تدل على الذوق والثقافة ودرجة التحضر، ونوع أو أنواع الأنشطة، فالذين يرتدون جلاليب طويلة، لا يمكن أن يصلحوا للعمل في المصانع، أو المتاجر، أو في قيادة السيارات، أو حتى ركوبها.

إن الفيلم يعبر عن فلسفة وقيمة وتحليل الأزياء، فهي ليست مجرد أقمشة لستر الجسم، لكن لها مدلولات عظيمة ومهمة، تسعى \”تيلى\” التي اصبح اسمها بعد عودتها \”ميرتيل\” إلى تغيير حال النساء، ودفعهن للتمرد على جبروت الرجل، الذي يعاملها في الغالب وكأنها ضمن الماشية التي يمتلكها، ولا يتردد في ضربها وإيذائها بدنيا ونفسيا، تبدأ \”ميرتيل\” في اقناع النساء بضرورة الاهتمام بنوعية الأزياء والزينة التي تتعامل معها، فلكل امرأة ما يليق لها من ألوان وتصميمات، وينقلب حال النساء، بعد طول مقاومة، ويعتبر العجائز أن \”ميرتيل\” هي ساحرة شريرة، قلبت حال البلد، وجعلت النساء يرتدين اللون الأحمر، وبقية الألوان المبهجة التي أطارت صواب الرجال، فأصبحت النساء يرفضن المعاملة السيئة من الرجل، ويطالبن بحقوقهن، فهن يقدمن لمجتمعاتهن خدمة لا تقل أبدا عما يقدمه الرجل.

وهكذ استطاعت \”ميريتيل\” أن تقلب حال البلد، من خلال تصميماتها العصرية المبهرة، التي غيرت من منهج تفكير النساء وأعادت لهن الثقة في أنفسهن.

الفيلم كأنه يشرح حال المرأة  في المنطقة العربية، بعد استسلام النساء، لتلك الخيم السوداء التي يختبأون تحتها، بحجه الحفاظ على الشرف والفضيلة.

أول مظهر لتحرر المرأة هو حريتها في اختيارها لنوعية الملابس التي تناسبها، وتناسب العصر الذي تحياه!

يشارك في بطولة فيلم \”صانعة الثياب\” بالإضافة إلى كيت وينسليت، النجم الأسترالي الوسيم \”ليام هيمسوورث\”، والممثلة المخضرمة \”جودي دافيس\” التي لعبت دور أم \”ميريتل\” العجوز السكيرة، التي لا تكف عن إطلاق الشتائم، ومهاجمة الجميع حتى ابنتها!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top