هو واحد من أهم نجوم السينما لهذا العصر، أكثرهم موهبه، وأعلاهم أجراً، وأفلامه تحظى بترقب واهتمام شديد من الجمهور والنقاد وصناع السينما على حد سواء، ومع ذلك فهو محترف تبديد موهبته، واستهلاك رصيده، في أفلام لا تقدم ولا تأخر، كأنه صبي ذكي ومعتاد التفوق، وتنتابه أحيانا حالة من الاستهتار، وكأنه يقول لنفسه: مفيش مانع العب طول السنة، واذاكر في الشهر الأخير، وحانجح بتفوق أيضا! فيخذله ذكاؤه وتخونه توقعاته وحساباته! حدث هذا مع أفلامه الأخيرة، ويمكن القول إنه لم يقدم فيلما له قيمة حقيقية، بعد \”سويني تود\” 2007 ، الذي رُشح عنه لجائزة جولدن جلوب، رغم أنه كان يستحق ترشيحا للأوسكار، \”سويني تود\” من إخراج تيم بيرتون، الذي شكل ثنائيا فنيا، مع جوني ديب، وقدما عددا من الأفلام المهمة، آخرها \”أليس في بلاد العجائب\”.
في \”سويني تود\”، تحدى جوني ديب براءة ملامحه وقدم شخصية، زوج عاشق، يتم انتزاع زوجته منه، ويشعر بالقهر لعدم قدرته على حمايتها، فيترك البلدة، مقهورا، ويعود إليها بعد سنوات طوال، باحثا عن ابنته، التي اصبحت شابة تعيش في كنف الرجل، الذي كان سببا في كوارثه، فيقرر الانتقام، بذبح كل من ساهم في ظلمه، ولو حتى بالصمت، ويقوم بذبح خصومه، بسلاحه الوحيد الذي يملكه \”شفرة الحلاقة\”! وبعد سبع سنوات من عرض \”سويني تود\” يعود جوني ديب ليقدم للشاشة حكاية قاتل محترف، وزعيم عصابة، تتاجر في كل شىء ضد القانون، ويقتل بدم بارد، وهو ينظر في عين ضحيته ويبتسم، ببراءة! لكن الشخصية هذه المرة ليست من نسج خيال مؤلف كما كانت \”سويني تود\”، لكنها شخصية حقيقية، كتب تفاصيلها كل من \”ديك ليهر\” و\”جيرارد أونيل\” باستخدام الوثائق لتلك الفترة الطويلة من حياة \”ويتي بيلجير\” الذي عاش في جنوب بوسطن في السبعينيات من القرن العشرين، وكان نموذجا للقسوة والعنف والغدر.
\”ويتي \”من أصول أيرلنديه، عاش ثلاثين عاما، ير تكب جرائمه في حماية بعض الفاسدين من المباحث الفيدرالية، من جانب، ومن جانب آخر معتمدا على سلطة وسمعة شقيقه الأصغر عضو الكونجرس، الذي يلعب دوره \”بينديكت كامبيرباتش\”.
آداء جوني ديب في فيلم \”BLACK MASS\” سوف يضعه مرة أخرى، في المكانة التي يستحقها، وكان لاهيا عنها لسنوات طوال.
ربما يكون للماكياج دور في ركوبه الشخصية، خصوصا تلك العدسات الملونة، التي تجعل نظرة عينيه زجاجية، لا تعرف ما تخفيه من مشاعر حقيقية. أما الأداء الصوتي والحركي، باستخدام ملامح الوجه، وأسلوب المشي، فهي أشياء تستحق أن تدرس في علم أداء الممثل، وخاصة في تحوله المفاجىء بين القسوة والحنان المفرط، وهو يتابع طفله الوحيد أثناء مرضه، ولم يتوقف السيناريو طويلا أمام وفاة الطفل، حتى لا يترك مجالا لتعاطفك مع شخصية \”ويتي \”.
ومن المشاهد التي قدمها جوني ديب بكل ما لديه من ألق، أثناء تناوله لوجبة خاصة، لا يقدمها إلا مطعما وحيدا في المدينة، يملكه أحد رجاله، ويسأل \”ويتى\” عن وصفة هذا الطبق الشهي، فيقول له الرجل، إنه أحد أسرار العائلة.. حافظنا عليها جيلا بعد جيل، لأن مطعمنا الوحيد، الذي يقدمه، فيسأله ويتى، ببراءة: هل معنى ذلك أنك ترفض أن تخبرني بمكوناته، فيقوم الرجل في الحال بشرح التفاصيل والمكونات، فيقول له \”ويتى\” وقد تغيرت ملامح وجهه: إذن أنت لا تستطيع أن تحافظ على أحد أهم أسرار عائلتك، فكيف يمكن أن تحافظ على أسراري؟ وتكون النهايه المتوقعه لشخص كان يشك فيه \”ويتى\” من البداية!
يشارك في بطوله \”BLACK MASS\” كل من كيفين باكون، وداكوتا جونسون، وبيتر سارسجارد، ومن اخراج سكوت كوبر، والفيلم من جملة أعمال سينمائية كثيرة تعرضت لعالم المافيا، وعلاقتها بالمباحث الفيدرالية ورجال السياسة، ربما لا يكون أقواها، لكن بلا شك أن أداء جوني ديب، يرفع أسهمه مرة أخرى، ويجعله مطروحا بشدة للترشح لأهم جوائز العام. سوف يطرح الفيلم عالميا مع بداية الأسبوع القادم!