ماجدة خير الله تكتب من تورنتو: إيدي ريدماين.. هل يفعلها ثانية وينال ترشيحا للأوسكار؟

 

الفيلم عن التحول الجنسي.. وليس به أي مشاهد جنس!

الزائر لمدينة  تورنتو، يعتقد أن أهلها لا يفعلون إلا أحد أمرين، الوقوف لساعات طويلة في طوابير، أمام دور السينما، أو تناول الطعام، في أحد المطاعم والكافيهات المتناثرة بكثافة في كل مكان، وفي الحقيقة حتى لا نفتري على شعب تورنتو، فالمساحة التي كنت اتحرك فيها، أثناء المهرجان، قد تكون كبيرة فعلا، لكنها لا تمثل إلا جزء بسيطا من المساحة الكلية للمدينة، ونظرا لضيق الوقت، فأنا لم اغادر شارع كينج ستريت الذي توجد به معظم دور السينما التي تعرض أفلام المهرجان! وهي مساحة لو تعلمون كبيرة  ومهلكة، ممكن أن تقترب في طولها من شارع الهرم بكل تفريعاته، وعليك أن تذهب إلى مقصدك سيرا على الأقدام، لأن وسائل المواصلات المختلفة لا تدخل المنطقة، أثناء انعقاد المهرجان! الذي يمتد لعشرة أيام، أما النجوم فهم ينزلون في فنادق فاخرة تقع على بعد خطوات من دار سينما princess of wheelz التي تعرض افلام الشركات الأمريكية الضخمة!

تبدأ العروض اليومية من الساعة الثامنة والنصف صباحا، وحتى تستطيع أن تنال مقعدا، في دار السينما، عليك أن تقف في الطابور قبلها بساعة  على الأقل، هذا وأنت تحمل كارنيه صحافة، لكن إذا كنت مواطنا عاديا فعليك أن تقف في طابورين.. الأول كي تحصل على تذكرة، والثاني حتى تدخل السينما، ومع ذلك الناس هنا تفعل ذلك بمنتهى السعادة بدون تذمر أو تململ، المهم أن يحظوا بمتعة  مشاهدة  الأفلام، في مكانها الطبيعي! ومن أجل هؤلاء تستمر صناعة السينما، في الدول المتحضرة، التي تستوعب أن بقاء هذه  الصناعة وازدهارها، وتطورها يعتمد عليهم في المقام الأول، وعلى رأي المثل \”كل شعب يستحق نوع الفنون التي تقدم له\”!

تم عرض فيلم الفتاة الدانمركية \”THE DANISH GIRL \” في الحفلة  الصباحية  ليوم السبت، وكنت استعد لهذا اليوم جيدا، نظرا للأهمية  الخاصة  للفيلم، نزلت قبل الميعاد بساعة ونصف، وبمجرد أن خرجت من باب الأوتيل، حتى فوجئت، بهطول المطر بغزارة، وطبعا لم أكن أضع في حسابي هذا الموقف السخيف، لأن الحياة قبلها بأيام كان لونها بمبي والدنيا ربيع، وحاول شيطاني أن يقنعني بالعودة  لغرفتي  بالفندق وتناول الإفطار الساخن على مهل، لكن ضميري من جهة أخرى، دفعني للتضحية والسير تحت المطر، لمدة نصف ساعة، أو يزيد، وصلت إلى باب السينما وجدت طابورا يمتد من بغداد إلى الصين \”على رأي كاظم الساهر\”، وكان عليّ أن أقف في آخره، ولا تحاول مطلقا أن تجرب الطرق المصرية  في الاستعباط، والوقوف في النص أو تتحشر بأي طريقة، مفيش أمامك إلا الطريق المستقيم، وهو أن تقف في آخر الصف، لكن ما يطمئنك أنك سوف تجد في ثوان أن خلفك مئات ممن أتوا بعدك، المهم الناس تقف في الطابور دون أي نوع من الضيق، وقد احضر بعضهم كتبا يقرأون فيها أثناء الانتظار، وأخد البعض الآخر يتابع الدنيا من خلال موبايله، وأثناء الوقوف تلاقي ناس تانية أصحاب وقرايب ونسايب اللي واقفين في الطابور، يزروهم ومعاهم ماج شاي أو قهوة وساندوتشات، وشطائر وخلافه، يعني الحياة  شغالة ومحدش متضايق! لكن الشىء اللطيف أنه فور فتح أبواب السينما، تجد أن الطابور اتحرك بسرعة غريبة، مع ملاحظة أن مفيش حد يجرؤ يستهبل ويتخطى الدور في الزحمة، وفي أقل من دقيقتين تجد نفسك جالسا على مقعد وثير، في مكان محترم وسط ناس محترمة!

فيلم \”الفتاة الدانمركية\” ، مأخوذ عن قصة حقيقية حدثت في كوبنهاجن 1882-1931 وضع تفاصيلها \”دافيد ايبرشوف\”، وقرأها المخرج \”توم هوبير\” بعد انتهائه من تصوير فيلمه  \”خطاب الملك\”، لكنه لم يجد شركة انتاج تتحمس لتحويل الرواية  لفيلم، وأثناء تصويره لفيلم \”البؤساء\”، الذي كان الممثل الإنجليزي \”إيدي ريدماين\” أحد أبطاله، عاد الحماس لهوبير، وتخيل \”إيدي\” وهو يمثل الدور، ويتألق فيه، ومن حسن الحظ أن الحماس قد انتقل للممثل الشاب، وقرر أن يحول الحلم لحقيقه، هذا قبل أن تأتيه  بطولة فيلم \”نظرية كل شىء\” الذي نال عنه جائزة الأوسكار، البعض يجزم، وأنا بينهم أن ريد ماين فرصته في الحصول على ترشيح جديد للأوسكار كبيرة جدا، لأن حالة الشخصية من تلك التي تنال إعجاب أعضاء الأكاديمية، الذين يولون اهتماما كبيرا بالشخصيات المتحدية  لضعفها الإنسانى، أو لاختلافها عن السائد، ولذلك هناك مقولة  يتداولها نجوم هوليوود، لكي تحصل علي الأوسكار، اعمل شخصية معاق أو شاذ! لكن الحكاية لا تؤخذ على علاتها، لكن تأمل شخصية توم هانكس في \”فيلادلفيا\” التي نال عنها أول أوسكار، كانت لشاب مصاب بالإيدز، نتيجة  ممارسة  جنسية، وتم رفده من عمله، رغم أن الحقيقة الطبية تؤكد أن الإيدز لا ينتقل إلا من خلال التعامل الجنسي أو نقل الدم، ولأن الرفد من العمل جاء بشكل تعسفي، فإن الشاب المصاب، استخدم حقه  القانوني في رفع قضية على الشركة، وكسب القضية قبل وفاته  بأيام، المهم أن الشخصية لم تستسلم ولم تتوان عن استخدام حقها، بغض النظر عن رأينا في أسباب الإصابة بالمرض! وتوم هانكس نفسه نال الأوسكار عن الفيلم الجميل، \”فورست جامب\”، الذي كان يقدم من خلالة  شخصية  شاب يعاني من إعاقة ذهنية منذ طفولته، لكنه تمكن بفضل إصراره من تحقيق حلمه في الفوز في مسابقات العدو لمسافات طويلة، كما اصبح يمتلك أسطولا لصيد الجمبري! الحكاية إذن تخص القدرة على التحدي وعدم الاستسلام لكونك مختلفا أو مضهدا لأي سبب!

اما شخصية  \”إينار ويجنير\” التي يقدمها إيدي ريدماين، فهي لشاب وسيم، رسام، يقع في حب فتاة ويتزوجها، ويعيش معها حياة هانئة  لا يتخللها ما يثير الانزعاج، حتى إن فكرة عدم وجود أطفال لم يشكل للزوجين العاشقين أي نوع من الاضطراب، أما نقطة  التحول فهي تحدث عندما تطلب الزوجة الفنانة  من زوجها أن يرتدي حذاء نسائيا، ويجلس بطريقة معينة، حتى تستطيع أن تكمل لوحتها، التي تجسد امرأة فاتنة تجلس على \”ليزي بوي\” وساقها ممدودة أمامها، وبمجرد أن يرتدي الزوج هذا الحذاء، وكأن مسا من السحر قد أصابه، وايقظ داخله مشاعر كان يتجاهلها، أو لا يعلم بوجودها، وقد اعطى السيناريو تلميحا سابقا، يبدو عفويا، عندما كان يزور \”إينار\” صديقته بالمسرح الذي تعمل فيه، ويمر بحجرة  الملابس، ثم يتحسس الملابس النسائية، وكأنها تمنحه بعض الراحه، تظن الأمر في البداية نوعا من الشبق أو الشغف، بكل ما يخص النساء ويثير غريزة الرجال، لكن مع الوقت تكتشف أن \”إينار\” كان يحب تلك الملابس وعقله الباطن يصور له، أنها تناسبه  أكثر من ملابس النساء، ويزداد الأمر توترا عندما يدخل هو وزوجته في لعبة، حيث يضع ماكياج امرأة ويرتدي ملابس امرأة، ويذهبان إلى حفل ضخم، وتقدمة  للناس باسم \”لي لي\”، المرأة  التي تثير الإعجاب، والمدهش أنه أثار اعجاب الرجال فعلا، وينقلب الموقف إلى حالة كارثية، وتشعر الزوجة العاشقة، أن زوجها ينسحب من بين يديها، وأنها تفقده، تحاول أن ترده لما كان عليه، لكنه يؤكد لها أن داخله شخص آخر يسعى للخروج والإعلان عن نفسه وأن الشخص الآخر هو\” لي لي\”.

الفيلم ليس فيه أي مشاهد ممارسة جنس، فالبطل هنا ليس مثليا، يريد ممارسة الجنس مع الرجال، لكنه يعاني من وجود أعضاء تناسلية أنثوية مدفونة داخله، وخلل ما، يدفعه أن يكون امرأة، وهو يطيل النظر لجسده في المرآه، ويتمنى اختفاء الاعضاء التي تجبره  أن يكون ذكرا، هو فقط يريد أن يكون ما يشعر به، ولذلك يقرر أن يخضع لعمليات جراحية متعدده، رغم التحذير من خطورتها، لعدم وجود مضادات حيوية  في القرن التاسع عشر، وقبل اختراع  البنسلين، ولذلك فإن الجراحات الخمس التي اجريت له، كانت الأولى من نوعها في العالم ، لتحويل الجنس، وقد دفع إلينار ثمن كونه يرفض أن يعيش بهوية جنسية يرفضها!

الفيلم يضم مشاهد شاعرية رغم دقة وغرابة موضوعه، أما آداء إيدي ريدماين، فهو يضعه فعلا في مكانة خاصة من نجوم السينما، كبار الموهبة، الآداء هنا ليس فيه ثمة مبالغة أو افتعال، لكن نعومة  بالغة في التعبير عما يجيش في صدره من ألم لكونه يعيش بهوية  جنسية مرتبكة! طبعا الفيلم لن يعرض في القاهرة وإن تمت الموافقة  على عرضه، فسوف يتم حذف أهم مشاهده، رغم أنها لا تخدش الحياء مطلقا، الحكاية لا تتحدث عن شخص مثلي الجنس، لكن عن إرادة  الإنسان وعن حقه في الاختيار، وأن يكون لديه الاستعداد ليدفع ثمن اختياره، أما القيمة الأكثر أهمية في الفيلم، فهي عن لحظة  اكتشاف نفسك، لا اقصد الهوية الجنسية، لكن لكل منا لحظة يدرك فيها أشياء لم يكن يعرفها عن نفسه، وأن الأفضل له أن يواجهها بشجاعة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top