ماجدة خير الله تكتب: "غروب وشروق".. الفيلم الذي أدخلني عالم رأفت الميهي!

عندما تفقد شخصا، قريب كان أو بعيد، تبدأ ذاكرتك تستدعي، كل المواقف والصور التي جمعت بينكما، أو تلك التي كونتها عنه أو ارتبطت في ذهنك كلما ذكر أحدهم أسمه.

كانت المرة الأولى في المرحلة الإعدادية، عندما اخبرتني صديقة أنها شاهدت في اليوم السابق فيلما جميلا لسعاد حسني ورشدي أباظة، وظلت تحكي تفاصيل مثيرة طوال المدة التي استغرقها مشوار الأوتوبيس المدرسي، حتى وصلنا إلى البيت، ربما لم يعلق في ذاكرتي اسم الفيلم، لكن أحداثه لم تبرح خيالي.

بعدها بشهر أو اثنين، وجدت نفس الصديقه تتقرب مني وعلى وجهها ابتسامه كمن أعد مفاجأه لشخص يعرف أنه سوف يستقبلها بفرحه، واخرجت من حقيبه المدرسه شريط فيديو عليه فيلم \”غروب وشروق\”، وعدت للمنزل يومها، وأنا في قمه السعادة والتوتر، كمن يحمل سيجارة حشيش، ويعرف أنه سوف يتعرض لكمين شرطه!

ورغم أن صديقتي – سامحها الله وغفر لها- كانت قد حكت لي الفيلم بتفاصيله، إلا أن هذا لم يمنعني من أن استمتع بكل مشهد، وكل كلمه ولفته،وموقف،رغم اني لم افهم الكثير مما كان بين السطور،أو استوعب انه أحد الافلام، التي تمجد في ثورة يوليو، وتقدم صورة المجتمع المصري، في الفتره التي سبقت اندلاع الثورة، ورغم أن الفيلم كان بالأبيض والأسود، إلا أني شاهدته، وكأنه ملون، فقد كنت اضيف بخيالي ألوانا لقميص النوم التي كانت ترتديه سعاد حسني في الليله الهباب،التي زارت فيها صديق زوجها \”رشدي اباظه\” ونامت في فراشه، حتى داهمها زوجها\”إبراهيم خان، وسحبها من يدها وجرجرها على الأرض،حتى قصر والدها \”محمود المليجي\”، وطلقها هناك في مشهد لا يمكن أن يسقط من الذاكره.

الغريب أن هذا المشهد – رغم قيمته ودوره في تصاعد الحدث، وهو كما يقال عنه من مشاهد الكلايمكس والماستر سين- إلا أن عمى القلب والبصيره لدى رقابه التليفزيون المصرى، وبعض القنوات العربيه الغشيمة، إعتادت حذف هذا المشهد من بدايته، بحيث نرى إبراهيم خان وهو يقول لمحمود المليجى: خد بينتك يا باشا ،جبتها من سرير أعز أصحابي، دون أن نعرف ماحدث وكيف جابها من سرير أعز اصدقائه، ولا ايه اللي حصل!! ولولا إني كنت قد شاهدت الفيلم كاملا، لاصبت بحسرة ونكد، وربما كان قلب معايا بشلل رعاش!

لكن في تلك السنوات، كنت اعشق السينما، ولم يكن يخطر ببالي أنها سوف تكون مجال عشقي وعملى، وقد تذكرت هذا المشهد في امتحانات القبول بمعهد السينما في عام 1981، كان السؤال يطلب أن تكتب

أحد المشاهد السينمائيه التي اثرت فيك، ثم تناولها بالتحليل من حيث موقعها في السيناريو واهميتها، وأسلوب المخرج والاضاءة، واداء الممثلين.

طبعا.. وقتها كنت خلاص عرفت إن الفيلم من إخراج كمال الشيخ، وسيناريو رأفت الميهي، الذي حفظت اسمه عن ظهر قلب وبدأت ابحث عن أفلامه لاتباعها، ومنها \”الهارب\” بطوله شاديه وحسين فهمى، و\”الصعود للهاوية\”، والفيلم الجبار \”أين عقلي\” بطوله سعاد حسنى، ومحمود يس، ورشدي اأاظه والممثله التي كانت واعدة في مرحله الثمانينيات \”حياه قنديل\”، ثم تزوجت وقبعت في منزل الممثل الراحل فكري أباظة!

كان رأفت الميهي من علامات الجودة واسمه على أفيش أي فيلم، يحفزني ويحرضني على متابعته، ولابد وأنه كان له نفس السحر، والتأثير على كل من يعشق السينما ويهتم بها، وحدث في عام واحد، أن شاهدت رأفت الميهي شخصيا مرتين، في ظروف غريبة.. الأولي كانت أثناء عرض فيلم once upon a time in America  للمخرج سيرجيو ليوني، وكان ذلك أثناء انعقاد مهرجان القاهره السينمائي، وجاء عرض الفيلم في القاعة الصغيرة لسينما كريم، وكنت قد سمعت عن أهميه الفيلم، وذهبت لمشاهدته، وفوجئت بـ رأفت الميهي يجلس إلى جواري، ومعه الفنانه الراحله معالي زايد، وبينما كان معظم من بالقاعه قد جاءوا لمشاهدة المناظر \”وهي كثيره ومتنوعة\”، إلا أنه كان ينحني على أذن معالي زايد، ويهمس لها ببعض الكلمات، وكانت رأسي وأذني تندس بينهما في محاولة يائسة لأعرف تعليقاته على الفيلم الذي اعتبره واحد من أهم وأصعب أفلام الجريمة المنظمة، وهو لا يقل أبدا عن ثلاثية الأب الروحي.

كنت اتمنى – وقتها- أن اسال الفنان الذي كنت مفتونة بما يقدمه، عن رأيه في بعض المشاهد والمواقف، لكن لم تسنح الفرصة أبدا، وكان ثاني لقاء معه في نفس العام، عندما قدم فيلمه الرائع \”للحب قصة أخيرة\”، بطولة يحيى الفخراني ومعالي زايد.. هذا الفيلم الذي أدى لاتهام بطليه بالفجور، وتقديم مشاهد عري، وصلت لاستدعائهما إلى النيابة، وكان كل منهما حايلبس قضيه آداب، وحدث أن قام مجموعه من السينمائين والصحفيين بعمل عدد من الاجتماعات تضامنا مع أبطال الفيلم ومخرجه \”رأفت الميهي\”، ولأن الحياة الثقافية في مصر، لم تكن قد انهارت تماما، مثلما يحدث اليوم، فقد أدى صوت السينمائيين العالي، وموقفهم القوي إلى تراجع النيابه عن إتهامها!

بعدها حدثت نقطه انقلاب في حياه الميهي السينمائيه، وبدأ في تقديم مجموعة من أفلام الفانتازيا الجريئة، وهو لون يعتبر غريب وجديد على السينما المصرية، ولأن الجهل بالشىء يجعل البعض يتوجس منه خيفة ويناصبه العداء، فقد بدأت حياة الميهي تتحول إلى سلسلة من المشاكل والقضايا، من \”الأفوكاتو\” الذي دعا بعض القضاة لاتهامه بالسخريه وإهانه مهنه القضاء \”الشامخ\”، إلى أفلام \”السادة الرجال\”، و\”سيداتي آنساتى\”، الذي اتهمه البعض بالجرأه وإهانة المرأه!

وكنت استقبل تلك الأفلام بما يليق بها من إعجاب ودهشة، من أسلوب الطرح، وطزاجه عرض الفكرة، وفي مرحلة ما، كان الميهي يعاني من عدم حماس بعض الممثلين لغرابة أفكاره، وقرر في لحظه ما أن يستعين بوجوه جديده،لانج، منهم داليا البحيري، ولؤي عمران وأحمد رزق في فيلم \”عشان ربنا يحبك\” عام 2001، ولم يحقق الفيلم نجاحا تجاريا، كما أن النقاد لم يساندوه، وقام أحد أبطاله بشن حملة على المخرج وكاتب السيناريو الكبير، وصلت إلى حد الاستهانة بقيمته، وإدعاء أنه تورط في قبول الفيلم!

ويبدو أنه كان يعتقد أن السينما سوف تفتح له ذراعيها ويصبح واحدا من نجوم الكوميديا الذين تتهافت عليهم شركات الإنتاج، لكن حمدا لله أن هذا لم يحدث! ورغم الجراح النفسية التي تركتها تصريحات هذا النكرة، إلا أن الميهي فضل ألا يرد، وكانت تلك نهايته مع السينما.

السينما التي لم تعد تتحمل افكارا مختلفة من رجل منحها كل عمره!

تلك أهم المشاهد والصور التي قفزت إلى ذهني وأنا استقبل نبأ رحيل الفنان رأفت الميهي.

نعم قد رحل بجسده، لكن بعد  أن ترك أعمالا خالدة، ستظل في بؤرة الذاكرة حتى بعد رحيلنا جميعا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top